(يَكادُ زَيْتُها
يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ) أي هو لصفائه وبريقه ولمعانه كأنه يضىء بنفسه دون أن
تمسه النار ، لأن الزيت إذا كان خالصا صافيا ثم رئى من بعد يرى كأن له شعاعا ،
فإذا مسته النار ازداد ضوءا على ضوء ـ كذلك قلب المؤمن يعمل بالهدى قبل أن يأتيه
العلم ، فإذا جاءه ازداد نورا على نور وهدى على هدى.
قال يحيى بن
سلام : قلب المؤمن يعرف الحق قبل أن يبيّن له ، لموافقته إياه ، وهو المراد من قوله
صلّى الله عليه وسلم : «اتقوا فراسة المؤمن ، فإنه ينظر بنور الله».
(نُورٌ عَلى نُورٍ) أي هو نور مترادف متضاعف ، قد تناصرت فيه المشكاة
والزجاجة والمصباح والزيت حتى لم يبق بقية مما يقوّى النور ويزيده إشراقا ويمدّه
بإضاءة.
ذاك أن المصباح
إذا كان فى مكان ضيق كالمشكاة كان أضوأ له وأجمع لنوره ، بخلاف المكان الواسع فإن
الضوء ينبعث فيه وينتشر ، والقنديل أعون شىء على زيادة الإنارة ، وكذلك الزيت
وصفؤه.
(يَهْدِي اللهُ
لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ) أي يوفّق الله من يشاء من عباده لإصابة الحق بالنظر
والتدبر وتوجيه الفكر لسلوك طريق الجادّة الموصلة إليه ، ومن لم يتدبر فهو كالأعمى
سواء لديه جنح الليل الدّامس ، وضحوة النهار الشامس. وعن على رضى الله عنه : «الله
نور السماوات والأرض ، ونشر فيهما الحق وبثه ، فأضاء بنوره».
(وَيَضْرِبُ اللهُ
الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ) أي ويسوق الله الأمثال للناس فى تضاعيف هدايتهم بحسب ما
تدعو إليه حالهم ، لما فيها من الفوائد فى النصح والإرشاد ، إذ بها تتفتّق الأذهان
للوصول إلى الحق ، وبها تأنس النفس بتصويرها المعاني بصور المحسوسات التي تألفها
وتدين بها ، ولأمر ما كثرت فى القرآن الكريم ، فقلّما ساق حجاجا أو أقام دليلا إلا
أردفه بالمثل ، ليكون أدعى إلى الإقناع ، وأرحى للاقتناع.
(وَاللهُ بِكُلِّ
شَيْءٍ عَلِيمٌ) فيعطى هدايته من يستحقها ممن صفت نفوسهم ،