(وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ) أي وإنهم قد فرقوا أمرهم بينهم فرقا شتى كل فرقة تنمى على من سواها ، وتشيد بمفاخرها ، وقد كان لهم فى عبر الماضين ما يمنعهم أن يقترفوا مثل هذا الجرم وكبير ذلك الإثم.
قال الحسن البصري فى هذه الآية ـ يبين لهم ما يتّقون وما يأتون ـ يريد أن هذا إخبار بالغيب بما سيكون منهم.
والخلاصة ـ إنهم قد غفلوا عما أمر به دينهم من وجوب الاعتصام بوحدة الأمة ونبذ الفرقة ، ففعلوا ضد هذا ، وذاق بعضهم بأس بعض ، وكان فى هذا وبال للجميع ، وتمكن عدوهم من أن يهيض جناحهم ، ويبطش بهم ويستعبدهم فى عقر دارهم ، ويسيمهم الخسف والصغار ، بعد أن كانوا سادة أحرارا ، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
ثم توعدهم على ما فعلوا فقال :
(كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ) أي إنهم سيرجعون إلينا ونجازيهم على تفرقهم واختلافهم شيعا.
وفى هذا إخبار بالغيب بما سيحدث فى هذه الأمة التي ذاقت وبال أمرها ، وعاقبة اختلافها ، وكانت لقمة سائغة
للآكلين ، ونهبا مقسّما بين الطامعين ، جزاء ما اجترحت من التفرق شذر مذر «وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً».
وبعد أن أبان أن افتراق الأمة واقع لا محالة أردفه فتح باب الرجاء فى لمّ شعثها واتفاقها بعد تفرقها ، عسى أن تقوم من كبوتها ، وترجع إلى وحدتها ، وتصير لها الدّولة والصّولة كما كانت فى سالف عهدها فقال :
(فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كاتِبُونَ) أي ومن يعمل صالح الأعمال وقلبه ملىء بالإيمان بربه ، والتصديق لأنبيائه ورسله ، واليقين بيوم الآخر يوم تجزى كل نفس بما عملت من خير أو شر ، فإنا لا نضيع سعيه ولا نبخسه حقه ، بل نوفيه على عمله الجزاء الأوفى ، وإنا مثبتون له ذلك فى صحيفة أعماله ، لا نترك منه شيئا جلّ أو قل ، عظم أو حقر.