وجه الرأى لدى كل منهما ـ إن داود قدر الضرر فى الحرث فكان مساويا لقيمة الغنم فسلم الغنم للمجنى عليه ، وإن سليمان قدر منافع الغنم بمنافع الحرث فحكم بها ، وكان حكمهما بالاجتهاد دون الوحى ، إذ لو كان به ما أمكن تغييره.
نعم الله على داود عليه السلام
(١) (وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فاعِلِينَ) أي وسخرنا الجبال والطير لداود تقدّس الله معه بحيث تتمثل له مسبّحة ، فيكون ذلك أملك لوجدانه وجميع مشاعره ، فيستغرق فى التسبيح ، وكنا فاعلين لأمثاله ، فليس ذلك ببدع منا وإن كنتم أنتم تعجبون منه ، فإن المستغرقين فى التسبيح والتقديس يحصل لهم من الأنس بالله ما يجعل العالم كله فى نظرهم مسبحا ، وكأن العوالم كلها تنطق لهم به بلسان أفصح من لسان المقال ، ولا يدرك هذا أحد إلا بوجدانه.
ونحو الآية قوله : «وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ».
(٢) (وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ) أي وعلمناه صنعة الدروع وقد كانت صفائح فجعلها حلقا ، فتمنع عنكم إذا لبستموها ولقيتم أعداءكم ـ أذى الحرب من قتل وجرح ونحوهما.
(فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ؟) أي فاشكروا الله على ما يسّره لكم من هذه الصنعة التي تمنع عنكم غوائل الحروب وتقيكم ضرها وعظيم أذاها.
نعم الله على سليمان عليه السلام
ورّث الله سليمان من داود ملكه ونبوته وزاده أمرين أشار إليهما بقوله :
(١) (وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها) أي وسخرنا لسليمان الريح عاصفة شديدة الهبوب تارة ، ورخاء لينة تارة أخرى.