وبعد أن ذكر ما يظهرونه حين الاستماع من اللهو واللعب ، ذكر ما يخفونه بقوله (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) أي وأسرّ هؤلاء الذين اقتربت الساعة منهم وهم فى غفلتهم معرضون ـ التناجي بينهم وأخفوه عن سواهم.
ثم بين ما تناجوا به فقال :
(هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ؟) أي قالوا فى تناجيهم متعجّبين من دعواه النبوة ، هل هذا الذي آتاكم بهذا الذكر إلا بشر مثلكم فى خلقه وأخلاقه ، يأكل كما تأكلون ويشرب كما تشربون ، ويموت كما تموتون ، فكيف يختص دونكم بالرسالة؟
(أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ؟) أي ما هذا الذي أتى به مما لا تقدرون عليه إلا سحر لا حقيقة له ، فكيف تعلمون ذلك ثم تذعنون له وتتبعونه وتجيبون دعوته؟.
وخلاصة ذلك ـ إنهم طعنوا فى نبوته بأمرين :
(١) إن الرسول لا يكون إلا ملكا.
(٢) إن الذي يظهر على يديه من قبيل السحر.
وإنما أسروا ذلك ، لأنه كالتشاور بينهم والتحاور لطلب الطريق الموصل إلى هدم دينه ، وقد جرت عادة المتشاورين فى خطب عظيم ألا يشركوا أعداءهم فى مشورتهم ، بل يجتهدون فى طىّ سرهم عنهم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا كما جاء فى حكمهم : «استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان».
فأجابهم عليه السلام عما قالوا :
(قالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) أي قال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم : إنكم وإن أخفيتم قولكم وطعنكم فىّ ، فإن ربكم عليم بذلك وإنه معاقبكم عليه ، وهو السميع لجميع المسموعات ، العليم بجميع المعلومات.
وفى هذا من الوعيد والتهديد ما لا يخفى.
وإنما آثر كلمة (القول) التي تعم السر والجهر دون كلمة (السر) التي تقدمت