وبعد أن ذكر سبحانه هذا القصص ، نهى رسوله صلى الله عليه وسلّم عن شيئين :
المراء فى أمرهم ، والاستفتاء فى شأنهم فقال :
(فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلَّا مِراءً ظاهِراً) أي فلا تجادل فى شأن الفتية إلا جدلا سهلا ليّنا ، وقص عليهم ما جاء فى الكتاب الكريم دون تكذيب لهم فى تعيين العدد ، ولا تجهيل لهم فى الحديث ، إذ لا يترتب على ذلك كبير فائدة ، لأن المقصد من القصة هو العظة والاعتبار ، ومعرفة أن البعث حاصل لا محالة ، وهذا لا يتوقف على عدد معين ، إلى أن ذلك مما يخلّ بمكارم الأخلاق التي بعث لإتمامها.
ونحو الآية قوله : «وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ».
(وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً) أي ولا تستفت النصارى فى شأنهم ، فإنهم لا علم لهم بذلك إلا ما يقولونه من تلقاء أنفسهم رجما بالغيب من غير استناد إلى دليل قاطع ، ولا نص صريح ، وقد جاءك ربك بالحق الذي لا مرية فيه ، فهو الحاكم المقدّم على كل ما تقدمه من الكتب والأقوال السالفة.
وفى الآية دليل على منع المسلمين من مراجعة أهل الكتاب فى شىء من العلم.
(وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً (٢٣) إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً (٢٤))
المعنى الجملي
جاءت هاتان الآيتان إرشادا وتأديبا من الله لرسوله صلى الله عليه وسلّم ، يعلمه بأنه إذا أراد أن يخبر عن شىء سيفعله فى مستأنف الأيام ، أن يقرن قوله بمشيئة علام الغيوب الذي يعلم ما كان وما سيكون.
وجاءتا معترضتين أثناء القصة لما تضمنتاه من تعليم عباده تفويض الأمور كلها إليه ، وبيان أنه لا يحدث فى ملكه إلا ما يشاء.