وما بعده ، فرجاله هم الأسوة ، وقد صح أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه لما وجد قبر دانيال فى عهده بالعراق أمر أن يسوّى بالأرض ، وأن تدفن تلك الرّقعة التي وجدوها عنده وفيها شىء من الملاحم وغيرها من الأخبار.
ولما ذكر سبحانه القصة ونزاع المتخاصمين فيما بينهم ـ شرع يقص علينا ما دار فى عهد النبي صلى الله عليه وسلّم من الخلاف فى عدد أصحاب الكهف فقال :
(سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ ، وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ ، وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ) أي سيقول بعض الخائضين من أهل الكتاب ذلك ، فقد روى أن نصارى نجران تناظروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم فى عدد أهل الكهف ، فقالت الملكانية (أصحاب الملك) : هم ثلاثة رابعهم كلبهم ، وقالت اليعقوبية : هم خمسة سادسهم كلبهم ، وقالت النسطورية : هم سبعة وثامنهم كلبهم ، وروى هذا عن ابن عباس ، وهو الحق بدليل أنه تعالى حكم على القولين السابقين بأنهما رجم بالغيب ، فأرشد ذلك إلى أن الحال فى الأخير بخلافه ، وأنهم إنما قالوه عن ثبات علم ، وطمأنينة نفس.
(قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ) فى هذا إرشاد لنا إلى أن الأحسن فى مثل هذا المقام رد العلم إلى الله تعالى ، إذ لا احتياج إلى الخوض فى مثل ذلك بلا علم ، فإن اطلعنا على أمر قلنا به ، وإلا توقّفنا ولم نجزم بشىء.
(ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ) أي ما يعلم عددهم إلا قليل من الناس. روى قتادة عن ابن عباس أنه قال : أنا من القليل الذي استثنى الله عزّ وجلّ ، كانوا سبعة سوى الكلب ، ولم يرد فى الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلّم شىء فى ذلك.
وفى هذا دلالة على أن المهمّ ليس هو معرفة العدد ، بل المهمّ الاعتبار بذلك القصص ، وبما يكون نافعا لعقولنا وتطهير أخلاقنا ورقينا فى حياتينا الدنيوية والأخروية.