الحبشة قد أسلمت معه بطانته من رجال الدين والدنيا ، ولكن الإسلام لم ينتشر فى الحبشة بعد موته ، ولم يهتم المسلمون بإقامة دينهم فى تلك البلاد كما فعلوا فى مصر والشام.
ثم بين سبحانه وتعالى سبب مودة النصارى للذين آمنوا فقال :
(ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) أي إن السبب فى هذه المودة أن منهم قسيسين يتولون تعليمهم التعليم الديني ويهذبون أخلاقهم ويربون فيهم الآداب والفضائل ، ورهبانا يعوّدونهم الزهد والتقشف والإعراض عن زخرف الدنيا ونعيمها ، ويكبرون فى نفوسهم الخوف من الله والانقطاع لعبادته ، وأنهم لا يستكبرون عن الإذعان للحق إذا ظهر أنه الحق ، إذ من فضائل دينهم التواضع والتذلل والخضوع لكل حاكم ، بل إنهم أمروا بمحبة الأعداء ، وإدارة الخدّ الأيسر لمن ضرب الخد الأيمن. فكل أولئك يؤثّر فى جمهور الأمة وسوادها الأعظم ، وقد عهد من النصارى قبول سلطة المخالف لهم طوعا واختيارا ، بخلاف اليهود فإنهم إذا أظهروا الرضا اضطرارا أسرّوا الكيد وأضمروا المكر ، لأن الشريعة اليهودية تولد فى نفوسهم العصبية الجنسية والحميّة القومية ، لأنها خاصة بشعب إسرائيل ، وأحكامها ونصوصها مبنية على ذلك.
(وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ) أي وإذا سمع أولئك الذين قالوا إنا نصارى ما أنزل إلى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم الذي بعثه الله رحمة للعالمين ؛ ترى أعينهم تفيض من الدمع حتى يتدفق من جوانبها لكثرته من أجل ما عرفوه من الحق الذي بيّنه لهم القرآن الكريم ، ولم يمنعهم ما يمنع غيرهم من عتوّ واستكبار.
ثم ذكر سبحانه ما يكون منهم من القول إثر بيان ما كان من حالهم فقال :
(يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ) أي يقولون هذه المقالة قاصدين بها إنشاء الإيمان والتضرع إلى الله والخضوع له بأن يتقبله منهم ويكتبهم مع أمة محمد صلى الله عليه وسلم الذين جعلهم الله تعالى شهداء على الناس ، لأنهم كانوا يعلمون من كتبهم ومما يتناقلونه عن أسلافهم أن النبي الأخير الذي يكمل به الدين ويتم به التشريع