وقد أخبرني ابن منجويه ، قال : حدّثنا ابن شنبه ، قال : حدّثنا أحمد بن الحسين بن عبد الجبّار الصوفي قال : حدّثنا أبو نصر التمّار ، قال : حدّثنا كوثر ، عن نافع ، عن ابن عمر أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «يا عبد الله هل تدري كيف حكم الله سبحانه فيمن بغى من هذه الأمّة؟».
قال : الله ورسوله أعلم. قال : «لا يجهز على جريحها ، ولا يقتل أسيرها ، ولا يطلب هاربها ، ولا يقسم فيئها» [٦٩] (١).
وسئل محمّد بن كعب القرظي عن هاتين الآيتين ، فقال : جعل النبيّ صلىاللهعليهوسلم أجر المصلح بين الناس ، كأجر المجاهد عند الناس ، وقال بكر بن عبد الله : امش ميلا ، وعد مريضا ، امش ميلين ، وأصلح بين اثنين ، امش ثلاثة أميال ، وزر أخاك في الله.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (١١) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (١٢))
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ) الآية ، قال ابن عبّاس : نزلت في ثابت بن قيس ، وذلك أنّه كان في أذنه وقر ، فكان إذا أتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وقد سبقوه بالمجلس ، أوسعوا له حتّى يجلس إلى جنبه ، فيسمع ما يقول ، فأقبل ذات يوم ، وقد فاته من صلاة الفجر ركعة مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فلمّا انصرف النبيّ صلىاللهعليهوسلم من الصلاة أخذ أصحابه مجالسهم [منه ، فربض] كلّ رجل بمجلسه ، فلا يكاد يوسع أحد لأحد ، فكان الرجل إذا جاء ، فلم يجد مجلسا ، قام قائما ، كما هو ، فلمّا فرغ ثابت من الصلاة ، وقام منها ، أقبل نحو رسول الله صلىاللهعليهوسلم فجعل يتخطّى رقاب الناس ، ويقول : تفسحوا تفسحوا ، فجعلوا يتفسحون له حتّى انتهى إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وبينه وبينه رجل.
فقال له : تفسح. فقال له الرجل : قد أصبت مجلسا ، فاجلس ، فجلس ثابت من خلفه مغضبا ، فلمّا أبينت الظلمة ، غمز ثابت الرجل ، وقال : من هذا؟ قال : أنا فلان. فقال له ثابت : ابن فلانة. ذكر أمّا له كان يعيّر بها في الجاهلية. فنكس الرجل رأسه واستحيا ، فأنزل الله عزوجل هذه الآية.
وقال الضحّاك : نزلت في وفد تميم الذين ذكرناهم في صدر السورة ، استهزءوا بفقراء أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم مثل عمّار ، وخباب ، وبلال ، وصهيب ، وسلمان ، وسالم مولى أبي حذيفة ، لما رأوا من رثاثة حالهم ، فأنزل الله سبحانه في الذين آمنوا منهم (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا
__________________
(١) تفسير القرطبي : ١٦ / ٣٢٠.