يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ) أي رجال من رجال ، والقوم اسم يجمع الرجال والنساء (١) ، وقد يختص بجمع الرجال ، كقول زهير :
وما أدري وسوف إخال أدري |
|
أقوم آل حصن أم نساء (٢) |
(عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَ)نزلت في امرأتين من أزواج النبيّ صلىاللهعليهوسلم سخرتا من أمّ سلمة ، وذلك أنّها ربطت خصريها بسبيبة ـ وهي ثوب أبيض ومثلها السب ـ وسدلت طرفيها خلفها. فكانت تجرها.
فقالت عائشة لحفصة : انظري ما تجرّ خلفها كأنّه لسان كلب. فهذا كان سخريتهما (٣).
وقال أنس : نزلت في نساء رسول الله صلىاللهعليهوسلم عيّرن أمّ سلمة بالقصر. ويقال : نزلت في عائشة ، أشارت بيدها في أمّ سلمة أنّها قصيرة، وروى عكرمة ، عن ابن عبّاس أنّ صفية بنت حي بن أخطب أتت رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقالت : إنّ النساء يعيّرني فيقلن : يا يهودية بنت يهوديين ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «هلّا قلت : إنّ أبي هارون ، وابن عمّي موسى ، وإنّ زوجي محمّد» [٧٠] (٤) ، فأنزل الله سبحانه هذه الآية.
(وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ) أي لا يعيب بعضكم بعضا ، ولا يطعن بعضكم على بعض. وقيل : اللمز العيب في المشهد ، والهمز في المغيب ، وقال محمّد بن يزيد : اللمز باللسان ، والعين ، والإشارة ، والهمز لا يكون إلّا باللسان ، قال الشاعر :
إذا لقيتك عن شحط تكاشرني |
|
وإن تغيبت كنت الهامز اللمزة (٥) |
(وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ) قال أبو جبير بن الضحّاك : فينا نزلت هذه الآية في بني سلمة ، قدم رسول الله صلىاللهعليهوسلم المدينة ، وما منّا رجل إلّا له اسمان أو ثلاثة ، فكان إذا دعا الرجل الرجل باسم ، قلنا : يا رسول الله ، إنّه يغضب من هذا. فأنزل الله عزوجل : (وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ).
قال قتادة ، وعكرمة : هو قول الرجل للرجل : يا فاسق ، يا منافق ، يا كافر ، وقال الحسن : كان اليهودي ، والنصراني يسلم ، فيقال له بعد إسلامه : يا يهودي ، يا نصراني ، فنهوا عن ذلك ، وقال ابن عبّاس : التنابز بالألقاب أن يكون الرجل عمل السيّئات ، ثمّ تاب منها ، وراجع الحقّ ، فنهى الله أن يعيّر بما سلف من عمله.
__________________
(١) تفسير القرطبي : ١٦ / ٣٢٥ مورد الآية.
(٢) كتاب العين : ٥ / ٢٣١.
(٣) تفسير القرطبي : ١٦ / ٣٢٦.
(٤) أسباب نزول الآيات للواحدي : ٢٦٤ ؛ تفسير القرطبي : ١٦ / ٣٢٦.
(٥) لسان العرب : ٥ / ٤٢٦ ؛ تاج العروس : ٤ / ٩٤.