سمير وحاطب ، وكان سمير قتل حاطبا ، فجعل الأوس والخزرج يقتتلون إلى أن أتاهم النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فأنزل الله سبحانه هذه الآية ، وأمر نبيّه ، والمؤمنين أن يصلحوا بينهم.
وروى سفيان عن السدّي ، قال : كانت امرأة من الأنصار يقال لها : أمّ زيد تحت رجل ، وكان بينها ، وبين زوجها شيء ، فرمى بها إلى علية ، وحبسها فيها ، فبلغ ذلك قومها فجاءوا ، وجاء قومه ، فاقتتلوا بالأيدي ، والنعال ، فأنزل الله سبحانه تعالى : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا) الآية.
(فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما) بالدعاء إلى حكم كتاب الله سبحانه ، والرضا بما فيه لهما ، وعليهما.
(فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ) ترجع (إِلى أَمْرِ اللهِ) وأبت الإجابة إلى حكم الله تعالى له ، وعليه في كتابه الذي جعله عدلا بين خلقه. (فَإِنْ فاءَتْ) رجعت إلى الحقّ (فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ) بحملهما على الإنصاف والرضى بحكم الله ، وهو العدل ، (وَأَقْسِطُوا) واعدلوا. (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) في الدين ، والولاية (فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) إذا اختلفا ، واقتتلا ، وقرأ ابن سيرين ، ويعقوب. بين إخوتكم (بالتاء) على الجمع ، وقرأ الحسن (إخوانكم) (بالألف) و (النون). (وَاتَّقُوا اللهَ) فلا تعصوه ولا تخالفوا أمره (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ).
قال أبو عثمان البصري : أخوة الدّين أثبت من أخوّة النسب ، فإنّ اخوّة النسب تنقطع لمخالفة الدين ، وأخوّة الدين لا تنقطع بمخالفة النسب. وسئل الجنيد عن الأخ ، فقال : هو أنت في الحقيقة إلّا إنّه غيرك في الشخص.
أخبرني ابن منجويه ، قال : حدّثنا عمر بن الخطّاب. قال : حدّثنا محمّد بن إسحاق المسوحي. قال : حدّثنا عمرو بن علي ، قال : حدّثنا أبو عاصم. قال : حدّثنا إسماعيل بن رافع ، عن ابن أبي سعيد ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ، ولا يعيبه ، ولا يخذله ، ولا يتطاول عليه في البنيان ، فيستر عليه الريح إلّا بإذنه ، ولا يؤذيه بقتار قدره إلّا أن يعرف له ، ولا يشتري لبنيه الفاكهة ، فيخرجون بها إلى صبيان جاره ، ولا يطعمونهم منها».
قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «احفظوا ، ولا يحفظه منكم إلّا قليل» [٦٨] (١).
وفي هاتين الآيتين دليل على انّ البغي لا يزيل اسم الإيمان ، لأنّ الله سبحانه وتعالى سمّاهم أخوة مؤمنين مع كونهم باغين ، عاصين. يدلّ عليه ما روى الأعور أنّ علي بن أبي طالب رضياللهعنه سئل وهو القدوة في قتال أهل البغي ، عن أهل الجمل ، وصفّين ، أمشركون هم؟فقال : لا ، من الشرك فرّوا. فقيل : أهم منافقون؟ فقال : إنّ المنافقين (لا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلاً). قيل : فما حالهم؟ قال : إخواننا بغوا علينا.
__________________
(١) تفسير القرطبي : ١٦ / ٣٢٣.