بنبإ : بخبر (فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا) كي لا تصيبوا بالقتل ، والقتال. (قَوْماً) براء (بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ * وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ) فاتقوا أن تقولوا الباطل ، وتفتروا الكذب ، فإنّ الله سبحانه يخبره أنباءكم ، ويعرّفه أحوالكم ، فتفتضحوا. (لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ) فيحكم برأيكم ، ويقبل قولكم. (لَعَنِتُّمْ) لأثمتم وهلكتم. (وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ) فأنتم تطيعون رسول الله وتأتمّون به ، فيقيكم الله بذلك العنت. (وَزَيَّنَهُ) وحسّنه (فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ).
ثمّ انتقل من الخطاب إلى الخبر ، فقال عزّ من قائل : (أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ) نظيرها قوله سبحانه : (وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ) (١) ، قال النابغة :
يا دارميّة بالعلياء فالسند |
|
أقوت وطال عليها سالف الأبد (٢) |
(فَضْلاً) أي كان هذا فضلا (مِنَ اللهِ وَنِعْمَةً وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا) قال أكثر المفسّرين : وقف رسول الله صلىاللهعليهوسلم ذات يوم على مجلس من مجالس الأنصار وهو على حماره ، فبال حماره ، فأمسك عبد الله بن أبي بأنفه وقال : إليك عنّا بحمارك ، فقد آذانا نتنه. فقال عبد الله بن رواحة : والله لحمار رسول الله صلىاللهعليهوسلم أطيب ريحا منك.
فغضب لعبد الله بن أبي رجل من قومه ، وغضب لعبد الله بن رواحة رجل من قومه ، فغضب لكلّ واحد منهما أصحابه حتّى استسبّوا ، وتجالدوا بالأيدي ، والجريد ، والنعال ، ولم يقدر رسول الله صلىاللهعليهوسلم على إمساكهم ، فأنزل الله سبحانه هذه الآية ، فلمّا نزلت قرأها رسول الله صلىاللهعليهوسلم فاصطلحوا ، وكفّ بعضهم عن بعض ، وأقبل بشير بن النعمان الأنصاري مشتملا على سيفه ، فوجدهم قد اصطلحوا ، فقال عبد الله بن أبي : أعليّ تشتمل بالسيف يا بشير؟ قال : نعم ، والّذي أحلف به لو جئت قبل أن تصطلحوا لضربتك حتّى أقتلك ، فأنشأ عبد الله بن أبي يقول :
متى ما يكن مولاك خصمك جاهدا |
|
تظلم (٣) ويصرعك الذين تصارع (٤) |
قال قتادة : نزلت في رجلين من الأنصار ، كانت بينهما مداراة في حقّ بينهما ، فقال أحدهما للآخر : لآخذنّ حقّي منك عنوة ، لكثرة عشيرته ، وإنّ الآخر دعاه ليحاكمه إلى نبيّ الله صلىاللهعليهوسلم ، فأبى أن يتبعه ، فلم يزل الأمر بينهما ، حتّى تدافعوا ، وقد تناول بعضهم بعضا بالأيدي ، والنعال ، ولم يكن قتال بالسيوف. وروى محمّد بن الفضيل ، عن الكلبي أنّها نزلت في حرب
__________________
(١) سورة الروم : ٣٩.
(٢) البداية والنهاية : ٢ / ٢٧٩.
(٣) في السيرة : تذل بدل من «تظلم».
(٤) تفسير الطبري : ٢٦ / ١٦٧ ؛ وسيرة ابن هشام : ٢ / ٤٢٥ ط. مصر (صبيح وأولاده)