قال : فقام الأقرع بن حابس ، فقال : إنّي والله لقد جئت لأمر ما جاء له هؤلاء ، وإنّي قد قلت شعرا ، فاسمعه منّي ، فقال : هات ، فقال :
أتيناك كيما يعرف الناس فضلنا |
|
إذا خالفونا عند ذكر المكارم |
وإنّا رؤس الناس من كلّ معشر |
|
وأنّ ليس في أرض الحجاز كدارم |
وإنّ لنا المرباع في كلّ غارة |
|
تكون بنجد أو بأرض التهائم |
فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «قم يا حسّان فأجبه». فقام حسّان ، فقال :
بني دارم لا تفخروا إنّ فخركم |
|
يعود وبالا عند ذكر المكارم |
هبلتم علينا تفخرون وأنتم |
|
لنا خول من بين ظئر وخادم |
فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لقد كنت غنيا يا أخا دارم أن يذكر منك ما قد ظننت أنّ الناس قد نسوه».
قال : فكان قول رسول الله صلىاللهعليهوسلم أشدّ عليهم من قول حسّان. ثمّ رجع حسّان إلى شعره.
فقال :
كأفضل ما نلتم من المجد والعلى |
|
ردافتنا من بعد ذكر الأكارم |
فإن كنتم جئتم لحقن دمائكم |
|
وأموالكم أن تقسموا في المقاسم |
فلا تجعلوا لله ندّا وأسلموا |
|
ولا تفخروا عند النبيّ بدارم |
وإلّا وربّ البيت مالت أكفّنا |
|
على هامكم بالمرهفات الصوارم |
قال : فقام الأقرع بن حابس ، فقال : إنّ محمّدا المولى ، إنه والله ما أدري ما هذا الأمر ، تكلّم خطيبنا ، فكان خطيبهم أحسن قولا ، وتكلّم شاعرنا ، فكان شاعرهم أشعر ، وأحسن قولا.
ثمّ دنا من النبيّ صلىاللهعليهوسلم فقال : أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّك رسوله.
فقال له النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «ما يضرّك ما كان قبل هذا». ثمّ أعطاهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم وكساهم ، وقد كان يخلف في ركابهم عمرو بن الأهتم ، وكان قيس بن عاصم يبغضه لحداثة سنه ، فأعطاه رسول الله مثل ما أعطى القوم ، فأزرى به قيس ، وقال فيه أبيات شعر وارتفعت الأصوات ، وكثر اللغط عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم. فأنزل الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِ) إلى قوله (وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) يعني جزاء وافرا ، وهو الجنّة (١).
(إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (٤) وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ
__________________
(١) بطوله في أسباب النزول : ٢٥٩ ؛ وتاريخ دمشق : ٩ / ١٨٨ ـ ١٩١ ط. دار الفكر ، وزاد المسير لابن الجوزي : ٧ / ١٧٨.