(فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) قبلة الله التي وجهكم إليها فاستقبلوها يعني الكعبة ، وقال أبو العالية : لما غيّرت القبلة إلى الكعبة عيّرت اليهود المؤمنين في انحرافهم من بيت المقدس. فأنزل الله تعالى هذه الآية جوابا إليهم.
عطاء وقتادة : نزلت في النجاشي وذلك إنّه توفّي ، فأتى جبرئيل النبيّ صلىاللهعليهوسلم فقال : إنّ أخاكم النجاشي قد مات فصلّوا عليه. فقال أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم : كيف نصلّي على رجل مات وهو يصلي إلى غير قبلتنا؟ وكان النجاشي يصلّي إلى بيت المقدس حتّى مات. فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال مجاهد والحسن والضحّاك : لمّا نزلت : (وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (١) قالوا أين ندعوه؟ فنزلت (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) ملكا وخلقا (فَأَيْنَما تُوَلُّوا) تحوّلوا وجوهكم (فَثَمَ) هناك (وَجْهُ اللهِ).
وقال الكلبي والقتيبي : معناه فثمّ الله عليم يرى والوجه صلة كقوله تعالى. (يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) أيّ يريدونه بالدّعاء ، وقوله (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) (٢). أيّ إلّا هو ، وقوله تعالى (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ) (٣) أي ويبقى ربّك ، وقوله (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ) (٤) أيّ لله.
وقال الحسن ومجاهد وقتادة ومقاتل بن حيان : فثمّ قبلة الله أضافها إلى نفسه تخصيصا وتفصيلا ، كما يقال : بيت الله ، و (ناقَةُ اللهِ) ، والوجه والجهة والوجهة : القبلة.
(إِنَّ اللهَ واسِعٌ) قال الكلبي : واسع المغفرة لا يتعاظم مغفرته ذنب دليله قوله تعالى (إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ) (٥).
أبو عبيدة : الواسع الغني يقال : يعطي فلان من سعة أي من غنى قال الله (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ) (٦) قال الفراء : الواسع الجواد الذي يسع عطاءه كل شيء. دليله قوله تعالى (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) (٧) وقيل : الواسع العالم الذي يسع علمه كلّ شيء. قال الله (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) (٨) أي علمه.
(عَلِيمٌ) بنياتهم حيثما صلّوا ودعوا ، وقال بعض السّلف : دخلت ديرا فجاء وقت الصّلاة فقلت لبعض من في الدّير : دلني على بقعة طاهرة أصلي فيها. فقال لي : طهّر قلبك عمّن سواه ، وقف حيث شئت. قال : فخجلت منه.
__________________
(١) سورة غافر : ٦٠.
(٢) سورة القصص : ٨٨.
(٣) سورة الرحمن : ٢٧.
(٤) سورة الإنسان : ٩.
(٥) سورة النجم : ٣٢.
(٦) سورة الطلاق : ٧.
(٧) سورة الأعراف : ١٥٦.
(٨) سورة البقرة : ٢٥٥.