ويتضرّع ويقول : يا ربّ ماذا أقول لبني إسرائيل إذا أتيتهم وقد أهلكت خيارهم و (لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ) ، ويا ربّي (أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا) (١) فلم يزل يناشد ربّه حتى أحياهم الله تعالى جميعا رجلا بعد رجل ينظر بعضهم الى بعض كيف يحيون ، فذلك قوله تعالى : (ثُمَّ بَعَثْناكُمْ) أحييناكم (مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ) لتستوفوا بقيّة آجالكم وأرزاقكم ، وأصل البعث : إثارة الشيء من [مكمنه].
يقال : بعثت البعير ، وبعثت النائم فانبعث.
(لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ) في التيه تقيكم حرّ الشمس ، وذلك أنّهم كانوا في التّيه ولم يكن لهم كنّ يسترهم فشكوا ذلك الى موسى ، فأنزل الله عليهم غماما أبيضا رقيقا وليس بغمام المطر بل أرقّ وأطيب وأبرد ـ والغمام : ما يغمّ الشيء أي يستره ـ وأظلّهم فقالوا : هذا الظّل قد جعل لنا فأين الطعام ، فأنزل الله عليهم المنّ.
واختلفوا فيه ، فقال مجاهد : وهو شيء كالصمغ كان يقع على الأشجار وطعمه كالشهد.
الضحّاك (٢) : هو الطرنجبين (٣).
وقال وهب : الخبز الرّقاق. السدي : عسل كان يقع على الشجر من الليل فيأكلون منه.
عكرمة : شيء أنزله الله عليهم مثل الزّيت الغليظ ، ويقال : هو الزنجبيل.
وقال الزجاج : جملة المنّ ما يمنّ الله مما لا تعب فيه ولا نصب.
وروي عن النبي صلىاللهعليهوسلم : «الكمأة من المنّ وماؤها شفاء للعين» (٤) [٨٦].
وكان ينزل عليهم هذا المنّ كل ليلة تقع على أشجارهم مثل الملح ، لكلّ إنسان منهم صاع كل ليلة قالوا يا موسى : مللنا هذا المنّ بحلاوته ، فادع لنا ربّك أن يطعمنا اللحم ، فدعا عليهالسلام ، فأنزل الله عليهم السلوى.
واختلفوا فيه ، فقال ابن عباس وأكثر المفسرين : هو طائر يشبه السّماني.
أبو العالية ومقاتل : هو طير أحمر ، بعث الله سحابة فمطرت ذلك الطير في عرض ميل وقدر طول رمح في السماء بعضه على بعض.
__________________
(١) سورة الأعراف : ١٥٥.
(٢) نسبه في زاد المسير (١ / ٧١) : الى ابن عباس ومقاتل ، وذكر بقية الأقوال.
(٣) ويصح بالتاء (الترنجبين) راجع لسان العرب : ١٠ / ٩٦ ، وهو طل ينزل من الهواء ويجتمع على أطراف الشجر في بعض البلدان ، وقيل : هو ندى شبيه العسل جامد متحبب ينزل من السماء ، وقيل : يشبه الكمأة.
أقول : ولعله ما يجنيه النحل من الشجر وهو ما يسمى بـ (غبار الطلع) إلى صغارها على شكل حبوب صغيرة بأرجلها ، وهو غير العسل وغير الهلام الملكي.
(٤) مسند أحمد : ١ / ١٨٧.