موضوعها ومحمولها (١) ، فإنّا إذا تصوّرنا الماهيّة بما أنّها ممكنةٌ تستوي نسبتُها إلى الوجود والعدم وتوقَّفَ ترجُحُ أحد الجانبين لها وتلبُسُها به على أمر وراء الماهيّة لم نلبث دون أن نصدّق به ، فإتّصاف الممكن بأحد الوصفين ـ أعني الوجودَ والعدمَ ـ متوقّفٌ على أمر وراءَ نفسه ، ونسمّيه : «العلّة» لا يرتاب فيه عقلٌ سليمٌ.
وأمّا تجويز اتّصافه ـ وهو ممكنٌ مستويُ النسبة إلى الطرفين ـ بأحدهما لا لنفسه ولا لأمر وراء نفسه فخروج عن الفطرة الإنسانيّة (٢).
وهل علّة حاجته إلى العلّة هي الإمكان أو الحدوث (٣)؟
قال جمعٌ من المتكلّمين (٤) بالثاني.
والحقّ هو الأوّل ، وبه قالت الحكماء ، واستدلّوا عليه (٥) بأنّ الماهيّة باعتبار وجودها ضروريّةُ الوجود وباعتبار عدمها ضروريّة العدم؛ وهاتان ضرورتان بشرط المحمول ، والضّرورة مناط الغنى عن العلّة والسبب.
والحدوث هو كون
__________________
(١) هكذا في المطالب العالية ج ١ ص ٨٣ ـ ٨٤ ، والأسفار ج ١ ص ٢٠٧ ، وشرح المواقفص ١٣٤ ، وشرح المنظومة ص ٧٠.
(٢) كما في الأسفار ج ١ ص ٢٠٨.
(٣) وقيل : «علّة الحاجة هي الإمكان مع الحدوث شطراً». وقيل : «إنّها الإمكان مع الحدوث شرطاً». راجع الأسفار ج ١ ص ٢٠٦ ، وشرح التجريد للقوشجيّ ص ٣٨ ، وكشف المراد ص ٥٣ ، وشرح المقاصد ج ١ ص ١٢٦ ، وغيرها. فالأقوال فيها أربعة. ذهب إلى كلٍّ منها طائفة ، قال ابن ميثم البحرانيّ في قواعد المرام في علم الكلام ص ٤٨ : «علّة حاجة الممكن إلى المؤثّر هي إمكانه ، وعند أبي هاشم هي الحدوث ، وعند أبي الحسين البصريّ هي المركّب منهما ، وعند الأشعريّ الإمكان بشرط الحدوث». وقريبٌ منه ما في إرشاد الطالبين ص ٧٩.
(٤) نسبه إليهم في شرح المقاصد ج ١ ص ١٢٧ ، وكشف الفوائد ص ٨. ونسبه الشيخ الرئيس إلى ضعفاء المتكلّمين في النجاة ص ٢١٣. ونسبه اللاهيجيّ إلى قدماء المتكلّمين في الشوارق ص ٨٩ ـ ٩٠ ، وكذا العلاّمّة في أنوار الملكوت ص ٥٨. ونسبه صدر المتألّهين إلى قوم من المتسمين بأهل النظر وأولياء التميّز في الأسفار ج ١ ص ٢٠٦. ونسبه ابن ميثم إلى أبي هاشم من المتكلّمين في قواعد المرام في علم الكلام ص ٤٨. فالمراد من قوله : «جمعٌ من المتكلّمين» هو قدماء المتكلّمين ، وأمّا المتأخّرين منهم فذهبوا إلى خلاف ذلك.
(٥) راجع شرح المنظومة ص ٧٢.