وهذا معنى قولهم (١) : «إنّ الفصل الأخير جامعٌ لجميع كمالات الفصول السابقة ، ومنشأ لإنتزاعها ، وأنّه لو تجرّد عن المادّة وتقرّر وحده لم تبطل بذلك حقيقة النوع ، والأمر على هذا القياس في كلّ صورة لا حقة بعد صورة».
ومن هنا يظهر :
أوّلا : أنّ الحركة في القسم الثاني بسيطة.
وأمّا في القسم الأوّل فإنّها مركّبة ، لتغيُّر الموضوع في كلّ حدّ من الحدود ، غير أنّ تغيُّره ليس ببطلان الموضوع السابق وحدوث موضوع لاحق ، بل بطريق الاستكمال ، ففي كلِّ حدٍّ من الحدود تصير فعليّةُ الحدّو قوّةُ الحدّ اللاحق معاً قوّةً لفعليّة الحدّ اللاحق.
وثانياً : أنّ لا معنى للحركة النزوليّة بسلوك الموضوع من الشدّة إلى الضعف ومن الكمال إلى النقص ، لاستلزامها كون فعلية مّا قوّةً لقوّته كأن يتحرّك الإنسان من الإنسانيّة إلى الحيوانيّة ومن الحيوانيّة إلى النباتيّة ، وهكذا.
فما يتراءى منه الحركة التضعّفية حركةٌ بالعرض تَتْبِعُ حركةً اُخرى إشتداديّةً تزاحم الحركة النزوليّة المفروضة كالذُبول.
وثالثاً : أنّ الحركة ـ أيّاً مّا كانت ـ محدودةٌ بالبداية والنهاية ، فكلّ حدٍّ من حدودها ينتهي من الجانبين إلى قوّة لا فعليّةَ معها وإلى فعل لا قوّةَ معه ، وحكم المجموع أيضاً حكم الأبعاض. وهذا لا ينافي ما تقدّم (٢) أنّ الحركة لا أوّل لها ولا آخر ، فإنّ المراد به أن تبتدىء بجزء لا ينقسم بالفعل وأن تختم بذلك.
فالجزء بهذا المعنى لا يخرج من القوّة إلى الفعل أبداً ، ولا الماهيّة النوعيّة المنتزعة من هذا الحدّ تخرج من القوّة إلى الفعل أبداً.
الفصل العاشر
في فاعل الحركة وهو المحرّك
ليعلم أنّ الحركة كيفما فرضت فالمحرّك فيها غير المتحرّك.
__________________
(١) راجع الأسفار ج ٢ ص ٣٥ ، والفصل السادس من المرحلة الخامسة من المتن.
(٢) في الفصل الخامس من هذه المرحلة.