مبادئ الفعل الإراديّ إلاّ العلم والإرادة ، بخلاف الفاعل العلميّ الذي له نوعُ تعلّق بالمادّة ، فإنّ له العلم والشوق والإرادة والقوّة الماديّة المباشرة للفعل على ما تقدّم ، كذا قالوا (١).
الفصل الثالث عشر
في نفي الاتّفاق وهو انتفاء الرابطة بين الفاعل والغاية
ربّما يتوهّم (٢) أنّ من الغايات المترتّبة على الأفعال ما هو غير مقصود لفاعلها ، فليس كلُّ فاعل له في فعله غاية.
ومثّلوا له بمن يحفر بئراً ليصل إلى الماء فيعثر على كَنْز ، فالعثور على الكَنْز غايةٌ مترتّبة على الفعل غيرُ مرتبطة بالحافر ولا مقصودةٌ له ، وبمن يدخل بيتاً ليستظلّ فيه فينهدم عليه فيموت ، وليس الموت غايةً مقصودةً للداخل.
ويسمّى النوع الأوّل من الاتّفاق «بختاً سعيداً» والنوع الثاني «بختاً شقيّاً».
والحقّ أنّ لا اتّفاق في الوجود. والبرهان عليه (٣) : أنّ الاُمور الممكنة في وقوعها على أربعة أقسام : دائميُّ الوقوع ، والأكثريّ الوقوع ، والمتساوي الوقوع واللاوقوع ، والأقليّ الوقوع.
أمّا الدائميّ الوقوع والأكثريّ الوقوع ، فلكلِّ منهما علّةٌّ عند العقل بالضرورة ، والفرق بينهما أنّ الأكثريّ الوقوع يعارضه في بعض الأحيان معارضٌ يمنعه من الوقوع ، بخلاف الدائميُّ الوقوع حيث لا معارضَ له ، وإذ كان تخلُّفُ الأكثريّ في بعض الأحيان عن الوقوع مستنداً إلى معارض مفروض فهو دائميّ الوقوع بشرط عدم المعارض بالضرورة ، مثاله الوليد الإنسانيّ
__________________
(١) راجع ما تقدّم تحت قوله : «فنقول : قالوا : ...».
(٢) كما توهّمه ذيمقراطيس وأنباذقلس من قدماء الحكماء. راجع الفصل الرابع عشر من المقالة الاُولى من الفن الأوّل من طبيعيات الشفاء.
(٣) كما برهن عليه الشيخ الرئيس في الفصل الثالث عشر من المقالة الاُولى من الفن الأوّل من طبيعيات الشفاء.