أفلاطون في العلم ، وهو (رحمه الله) لا يرتضيه ، ولو كانت حصوليّةً إنطبقت على قول المشّائين ، وهو (رحمه الله) لا يرتضيه أيضاً.
ووجه الضعف في القولين (١) أنّ صدقَ القضاء بمفهومه على إحدَي المرتبتَيْن من العلم ـ أعني العلم الذاتيّ والعلم الفعليّ ـ لا ينفي صدقَه على الاُخرى ، فالحقّ أنّ القضاء قضاءان : ذاتيٌّ وفعليٌّ ـ كما تقدّم بيانه ـ.
وأمّا القَدَر : فهو ما يلحق الشيء من كميّة أو حدّ في صفاته وآثاره. والتقدير تعيين ما يلحقه من الصفات والآثار تعييناً علميّاً يتبعه العمل على حسب ما تسعه الأسباب والأدوات الموجودة ، كما أنّ الخيّاط يقدّر ما يخيطه من اللباس على الثوب الذي بين يديه ثمّ يخيط على ما قدّر ، والبناء يقدّر ما يريده من البنّاء على القاعة من الأرض على حسب ما تَسِعه وتعيَّنَ عليه الأسباب والأدوات الموجودة عنده ، ثمّ يبني البناء على طبق ما قدّر لأسباب متجدّدة توجب عليه ذلك ، فالتقدير بالنسبة إلى الشيء المقدَّر كالقالب الذي يقلب به الشيء فيحدّ به الشيء بحدّ أو حدود لا يتعدّاها.
وإذا اُخذ هذا المعنى بالتحليل حقيقيّاً إنطبق على الحدود التي تلحق الموجودات المادّيّة من ناحية عللها الناقصة بما لها من الصور العلمّيّة في النشأة التي فوقها ، فإنّ لكلّ واحدة من العلل الناقصة بما فيها من الحيثيّات المختلفة أثراً في المعلول يخصّص إطلاقَهُ في صفته وأثره. فإذا تمّ التخصيص بتمام العلّة التامّة حصل له التعيّن والتشخّص بالوجود الذي تقتضيه العلّة التامّة. فللإنسان ـ مثلا ـ خاصّة الرؤية ، لكن لا بكلّ وجوده ، بل من طريق بدنه ، ولا ببدنه كلّه؛ بل بعضو منه مستقرٍّ في وجهه ، فلا يرى إلاّ ما يواجهه ، ولا كلّ ما يواجهه ، بل الجسم؛ ولا كلّ جسم ، بل الكثيف من الأجسام ذا اللون؛ ولا نفس الجسم ، بل سطحه؛ ولا كلّ سطوحه ، بل السطح المحاذي؛ ولا في كلّ وضع ولا في كلّ حال ولا في كلّ مكان ولا في كلّ زمان؛ فلئن أحصيتَ الشرائط الحافّة حولَ رؤية واحدة شخصيّة ألفيت
__________________
(١) أي قول المشهور وقول صدر المتألّهين.