بل على نحو قيامها بها بالثبوت الذهنيّ على وجه الكلّيّة ، بمعنى عدم تغيُّرِ العلم بتغيُّرِ المعلوم ـ على ما اصطلح عليه في مباحث العلم ـ ، فهو عِلْمٌ عنائيٌّ يستتبع فيه حصولُ المعلوم علماً حصولَه عيناً.
وفيه : أوّلا : ما في سابقه من محذور خلُوِّ الذات عن الكمال.
وثانياً : ما في سابقه أيضاً من محذور ثبوت العلم الحصوليّ فيما هو مجرّد ذاتاً وفعلا.
وثالثاً : أنّ لازمَهُ ثبوت وجود ذهنيّ من غير عينيّ يقاس إليه ، ولازمُهُ أن يعود وجوداً آخر عينيّاً للماهيّة قبل وجودها الخاصّ بها ، وهو منفصل الوجود عنه (تعالى) ، ويرجع بالدقّة إلى القول الثاني المنسوب إلى أفلاطون.
واعلم أنّ أكثر المتكلّمين على هذا القول ، وإن طعنوا فيه من حيث عدّهم العلم قبل الإيجاد كلّيّاً ، زعماً منهم أنّ المراد بالكلّيّ ما اصطلح عليه في مبحث الكلّيّ والجزئيّ من المنطق (١).
وذلك أنّهم اختاروا أنّ العلم التفصيليّ قبل الإيجاد حصوليٌّ ، وأنّه على حالِهِ قبلَ وجود الأشياء وبعدَ وجودها من غير تغيير.
التاسع : قول المعتزلة (٢) أنّ للماهيّات ثبوتاً عينيّاً في العدم ، وهو الذي تعلّق به علمه (تعالى) قبل الإيجاد.
وفيه : أنّه قد تقدّم (٣) بطلان القول بثبوت المعدومات.
العاشر : ما نُسب إلى الصوفيّة (٤) ، أنّ للماهيّات ثبوتاً علميّاً بتبع الأسماء والصفات ، هو الذي تعلّق به علمه (تعالى) قبل الإيجاد.
وفيه : أنّ أصالة الوجود واعتباريّة الماهيّة تنفي أيَّ ثبوت مفروض للماهيّات
__________________
(١) راجع شرح المنظومة (قسم المنطق) ص ١٦ ، وشرح المطالع ص ٤٨ ، وشرح الإشارات ج ١ ص ٣٨ ، والتحصيل ص ١٥ ـ ١٧ ، وشرح الشمسية ص ٣٢ ـ ٣٣.
(٢) نُسب إليهم في الأسفار ج ٦ ص ١٨١ ـ ١٨٢ ، وشرح المنظومة ص ١٦٥.
(٣) راجع الفصل الثاني من المرحلة الاُولى.
(٤) كالشيخ العارف محيي الدين العربيّ في الفتوحات المكيّة ج ١ ص ٢٠٢ ، وفصوص الحكم ص ٤٨ ـ ٥٨ ، والشيخ صدر الدين القونوي في مفتاح غيب الجمع والوجود ، فراجع كلام الماتن في مصباح الاُنس ص ٨٢ ـ ٨٣.