ولما بين الغاية والحركة من الارتباط والنسبة الثابتة كان بينهما نوعٌ من الإتّحاد ، ترتبط به الغاية بالمحرِّك كمثل الحركة ، كما ترتبط بالمتحرّك كمثل الحركة.
ثمّ إنّ المحرِّك إذا كان هو الطبيعة وحرّكت الجسمَ بشيء من الحركات العرضيّة الوضعيّة والكيفيّة والكميّة والأينيّة مستكملا بها الجسم ، كانت الغاية هو التمام الذي يتوجّه إليه المتحرّك بحركته وتطلبه الطبيعة المحرّكة بتحريكها.
ولولا الغاية لم يكن من المحرّك تحريكٌ ولا من المتحرّك حركةٌ.
فالجسم المتحرّك مثلا من وضع إلى وضع إنّما يريد الوضع الثانى ، فيتوجّه إليه بالخروج من الوضع الأوّل إلى وضع سيّال يستبدل به فرداً آنيّاً إلى فرد مثله حتّى يستقرّ على وضع ثابت غير متغيّر فيثبت عليه ، وهو التّمام المطلوب لنفسه ، والمحرّك أيضاًيطلب ذلك.
وإذا كان المحرّك فاعلا علميّاً لعِلْمهِ دَخْلٌ في فعله كالنفوس الحيوانيّة والإنسانيّة ، كانت الحركة بما لها من الغاية التي هو التمام مرادةً له ، لكنّ الغاية هي المرادة لنفسها والحركه تتبعها ، لأنّها لأجل الغاية كما تقدّم (١) ، غير أنّ الفاعل العلميّ ربّما يتخيّل ما يلزم الغاية أو يقارنها غايةً للحركة فيأخذه منتهى إليه للحركة ويوجد بينهما تخيّلا فيحرِّك نحوه ، كمن يتحرّك إلى مكان ليلقى صديقه أو يمشي إلى مشرعة لشرب الماء ، وكمن يحضر السوق ليبيع ويشتري.
هذا كلّه فيما كان الفعل حركةً عرضيّةً طبيعيّةً أو إراديّة.
وأمّا إذا كان فعلا جوهريّاً ، كالأنواع الجوهريّة ، فإن كان من الجواهر التي لها تعلّقٌ مّا بالمادّة فسيأتي إن شاء الله (٢) أنّها جميعاً متحرّكةٌ بحركة جوهريّة ، لها وجودات سيّالة تنتهي إلى وجودات ثابتة غير سيّالة تستقرّ عليها ، فلها تمامٌ هو وجهتها التي تولّيها ، وهو مراد عللها الفاعلة المحرِّكة لنفسه ، وحركاتها الجوهريّة مرادة لأجله ، وإن كان الفعل من الجواهر المجرّدة ذاتاً وفعلا عن المادّة فهو لمكان فعليّة وجوده وتنزّهه عن القوّة لا ينقسم إلى تمام ونقص كغيره ، بل هو تمامٌ في نفسه ، مرادٌ
__________________
(١) في ابتداء هذا الفصل.
(٢) في الفصل الثامن من المرحلة التاسعة.