ومن المبصرات النّور ، وهو غنيٌّ عن التعريف (١) ، وربّما يُعرَّف بـ «أنّه الظاهر بذاته المظهِر لغيره» (٢) وينبغي أن يراد به إظهارُهُ الأجسامَ للبصر ، ولو اُطلِقَ الإظهار كان ذلك خاصّة للوجود.
وكيف كان ، فالمعروف من مذهبهم : «أنّه كيفيّةٌ مبصرةٌ توجد في الأجسام النيّرة بذاتها أو في الجسم الذي يقابل نيّراً من غير أن ينتقل من النيّر إلى المستنير» ، ويقابله الظلمة مقابلةَ العدم للملكة (٣).
وقيل (٤) : «إنّ النّور جوهرٌ جسمانيّ».
وقيل (٥) «أنّه ظهور اللون».
والمسموعات : هي الأصوات ، والصوت كيفيّةٌ حاصلةٌ من قَرْع عنيفأو قَلْع عنيف مستتبعٌ لتموُّج الهواء الحامل للأصوات ، فإذا بلغ التموُّجُالهواءَ المجاورَ لصماخ الأذُن أحسّ الصوت (٦).
وليس الصوت هو
__________________
(١) كما كان اللون غنياً عن التعريف ، لظهورهما ، فإنّ الاحساس بجزئياتهما قد اطّلعنا على ماهيتهما اطّلاعاً لا يفي به ما يمكننا من تعريفاتهما على تقدير صحّتها. وعرّفه الرازيّ في المباحث المشرقيّة ج ١ ص ٣٠١ بـ «أنّه الكيفيّة التي لا يتوقّف الإبصار بها على الإبصار بشيء آخر». وزيّفه صدر المتألّهين في الأسفار ج ٤ ص ٩٠ بأنّه تعريفٌ بما هو أخفى.
(٢) هكذا عرّفه الشيخ الإشراقيّ في حكمة الإشراق ، فراجع شرح حكمة الإشراق (كلام الماتن) ص ٢٩٥.
(٣) اعلم أنّ في تقابل الظلمة والنور مذاهب ثلاثة : أحدها : ما ذهب إليه الإشراقيّون ، وهو تقابل السلب والإيجاب. وثانيها : ما ذهب إليه المشاؤون ، وهو تقابل العدم والملكة ، كما قال الشيخ الرئيس في الفصل الأوّل من المقالة الثانية من الفنّ السادس من طبيعيات الشفاء : «فإنّ الظلمة عدم الضوء فيما من شأنه أن يستنير». وثالثها : ما ذهب إليه المتكلّمون ، وهو تقابل التضادّ.
(٤) والقائل بعض الحكماء الأقدمين على ما نُقل في شرح المواقف ص ٢٥٦. وراجع الفصل الثاني من المقالة الثالثة من الفن السادس من طبيعيات الشفاء. وأشار إلى بطلانه في كشف المراد ص ٢١٩.
(٥) تعرّض له وللإجابة عليه الشيخ الرئيس في الفصلين الثاني والثالث من المقالة الثالثة من الفن السادس من طبيعيات الشفاء. وصدر المتألّهين في الأسفار ج ٤ ص ٩١ ـ ٩٤.
(٦) هذا ما ذهب إليه الفلاسفة في تعريف الصوت فراجع الفصل الخامس من المقالة الثانية