وأمّا القول الثاني المنسوب إلى النظّام ، وهو أنّ الجسم مركّبٌ من أجزاء لا تتجزّى غير متناهية.
فيرد عليه ما يرد على القول الأوّل ، مضافاً إلى أنّ عدمَ تناهي الأجزاء على تقدير كونها ذواتِ حجم يوجب كونَ الجسمُ المتكوّنُ من اجتماعها غيرَ متناهي الحجم بالضرورة ، والضرورة تدفعه (١).
وأمّا القول الثالث المنسوب إلى ذيمقراطيس ، وهو أنّ الجسم مركّبٌ من أجزاء صِغار صِلَبة لا تتجزّى خارجاً ، وإن جاز أن تتجزّى وهماً وعقلا.
ففيه : أنّ هذه الأجزاء لا محالة جواهرٌ ذوات حجم ، فتكون أجساماً ذواتُ اتّصال جوهريِّ تتألّف منها الأجسام المحسوسة ، فالذي يثبته هذا القول أنّ هاهنا أجساماً أوّليّةً هي مبادئ هذه الأجسام المحسوسة ، على أنّ هذا القول لا يتبيّن به نفي الهيولى وإبطالُ تركُّبِ الجسم منها ومن الصورة الجسميّة ، وسيأتي إثباتها في الفصل التالي (٢) ، فيؤول إلى إثبات الصورة الجسميّة للأجسام الأوّليّة التي هي مبادئ هذه الأجسام المحسوسة ، وإليها تنتهي بالتجزئة.
وأمّا القول الرابع المنسوب إلى الشهرستانيّ ، وهو كونُ الجسم متّصلا واحداً كما في الحسّ يقبل القسمةَ إلى أجزاء متناهية.
__________________
من المقالة الثالثة من الفنّ الأوّل من طبيعيات الشفاء ، والتحصيل ص ٣٢٢ ـ ٣٣١ ، والمباحث المشرقيّة ج ٢ ص ١١ ـ ٢٣ ، والمطالب العاليّة ج ٦ ص ١٩ ـ ١٦٦ ، وشرح الهداية الأثيريّة لصدر المتألّهين ص ١٢ ـ ٢٤ ، والأسفار ج ٥ ص ٢٩ ـ ٥٦ ، وشرح المقاصد ج ١ ص ٢٩٣ ـ ٣٠٤ ، وشرح المواقف ص ٣٥٧ ـ ٣٦٦ ، وايضاح المقاصد ص ٢٤٩ ـ ٢٥٦ ، وشرح عيون الحكمة ج ٢ ص ١٠١ ـ ١١٨ ، وشرح المنظومة ص ٢٢٢ ـ ٢٢٧ ، وأنوار الملكوت في شرح الياقوت ص ١٩ ، وكشف المراد ص ١٤٣ ـ ١٤٩ ، وشرح الإشارات ج ٢ ص ١٩ ـ ٣٢. وذهب إلى اثباته بعض من المتكلّمين ، فراجع نهاية الأقدام ص ٥٠٥ ـ ٥٠٧ ، وقواعد المرام ص ٥٢ ـ ٥٥ ، والأربعين ج ٢ ص ٤ ـ ١٧.
(١) هذا ، وأجاب عنه أيضاً الشيخ الرئيس في النجاة ص ١٠٤ ، والفصل الرابع من المقالة الثالثة من الفن الأوّل من طبيعيات الشفاء.
(٢) راجع الفصل التالي.