وتتابع الأمداد فأنت أمام فيض من السيول ، وكثافة من الأزباد ، ومهما أجال اللغوي فكره في معجمه فإنه لن يصل إلى كلمة تسد مسدها في الدلالة على صورة المعاني النابعة منها.
وفي هذا الضوء فإنني أميل إلى ما ذهب إليه زميلنا الدكتور العزاوي بقوله « إن في استقرار اللغة ، وثبات صيغتها ، قيمة عظمى ، ونفعاً محموداً ، وذلك في أكثر من وجه. فبعض الصيغ الموروثة ، والتراكيب المتداولة ، تؤدي المراد منها بدقة لأنها اكتسبت دلالة خاصة تعارف عليها الناس وأصبح من العسير أن تقوم مقامها أو تؤدي مؤداها عبارات أخرى قد يبتدعها أهل اللغة ، ويحلونها محل تلك العبارات (١).
والدليل على صحة هذه الدعوى ما لمسناه من استعمال المثل القرآني للألفاظ المتقدمة : صفوان ، وابل ، مشكاة ، الظمان ، لجي.
سابعاً : وفي « لم يكد يراها » من قوله تعالى :
( إذا أخرج يده لم يكد يراها ) (٢) دلالة لغوية على إرادة عدم الرؤية الحقيقية ونفيها إطلاقاً ، بما أثبته النقاد اللغويون ، تخطئة لابن شبرمة وتصحيحاً لقول ذي الرمة ، حين بلغ هذا البيت (٣) :
إذا غير النأي المحبين لم يكد |
|
رسيس الهوى من حب مية يبرح |
فقال له ابن شبرمة ، يا ذا الرمة أراه قد برح ، ففكر ساعة ثم قال :
إذا غير الناي المحبين لم أجد |
|
رسيس الهوى من حب مية برح |
قال الراوي : فرجعت إلى أبي الحكم بن البحتري فأخبرته الخبر ، فقال : أخطأ ابن شبرمة حيث أنكر عليه ، وأخطأ ذو الرمة حيث رجع إلى قوله ، إنما هذا كقول الله عز وجل :
( أو كظلمت في بحر لجى يغشه موج من فوقه موج من فوقه سحاب
__________________
(١) نعمة رحيم العزاوي ، النقد اللغوي عند العرب : ٣٢١.
(٢) النور : ٤٠.
(٣) ذو الرمة ، ديوان شعر ذي الرمة : ٩٠.