إلى أن قال : فكلّم عمر أبا بكر فقال : إنّ أبا سفيان قد قدِم ، وإنّا لا نأمن شرّه ، فَدعْ (١) له ما في يده ؛ فتركه ، فرضيَ.
وأنت تعلم أنّ مال السعاية التي يوجّه بها أبو سفيان ، ويرشى به في أمر الخلافة ، ويرضيه ممّن ازدراه واستصغره ؛ لهو من أكثر الأموال!
فإذا وسع مال الله هذه العطيات ونحوها ، فكيف يضيق عن نفقة أزواج النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)؟!
ولو فرض أنّه يضيق عنها ، فقد كان من شرع الإحسان وحفظ الذمام لسيّد المرسلين أن يضيّقوا على أنفسهم وينفقوا على الأزواج من مال الله ، أو يضمّ أبو بكر وعمر ابنتيهما إلى عيالهما ويطيّبوا نفس بضعة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بإعطائها فدك التي أفاء الله بها عليه ، ولا يلجِئُها إلى النزاع في تلك المقامات ويغضبوها حتّى الممات.
أترى أنّ من بنى لقومه بيت شرف ومجد ، وجعل لهم مملكة يزاحمون بها الممالك العظمى ، ثمّ مات وخلّف بينهم بنتاً واحدة ، ومالا يقوم بكفايتها ، فهل يحسن منهم أن ينتزعوا منها ذلك المال قهراً بحجة أنّه يعود إلى المملكة؟!
وهل ترى مَن يفعل ذلك معدوداً من حافظي حقّ الأب وذمامه ، أو معدوداً من المضيّعين لحقّه وأعدائه؟!
__________________
فالبَكرُ : الفَتِيّ من الإبل ، بمنزلة الغلام من الناس ؛ انظر : لسان العرب ١ / ٤٧٢ مادّة «بكر».
والفَصيلُ : وَلَدُ الناقة إذا فُصِلَ عن أُمّه ، أي فُطم عن الرضاعة ؛ انظر مادّة «فصل» في : لسان العرب ١٠ / ٢٧٣ ، تاج العروس ١٥ / ٥٧٤.
(١) كان في الأصل : «فدفع» ، وهو تصحيف ، وما أثبتناه من المصدر.