عابهم فوقعت الأُمة في البلاء والفتنة العظمى بقتله.
على أنّ هذا العذر كذب صريح ؛ ضرورة أنّه بتعيين الستّة ثمّ بعضهم بالنحو الذي قرّره قد تحمّلها ألبَتّةَ ، بل تحمّلها أقبح تحمّل ؛ لأمره بقتل مَن خالف ترتيبه ممّن زعم أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) مات وهو عنهم راض ، ولا سيّما أنّه قد يُقتل أخو النبيّ ونفسُه ومَن يسلك بالأُمّة الطريق المستقيم.
الخامس : إنّ مجموع ترتيبه كاشفٌ عن إرادة قتل أمير المؤمنين (عليه السلام) (١) ، أو تصغير شأنه في حياته مع حرمانه ؛ ضرورة أنّ عليا وعثمان لا يتّفقان ، وأنّه لا ينضمّ إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) ثلاثةٌ منهم ؛ إذ لا يُرجى له إلاّ موافقة الزبير ، كما كشفت عنه الواقعة.
ولمّا كان عمر يحتمل بعيداً تبعيّة طلحة للزبير في موافقة عليّ (عليه السلام) ، جعل القول للّذين فيهم عبد الرحمن ؛ علما منه بأنّ عبد الرحمن لا يختلف مع ختَنه عثمان ، وابن عمه سعد ؛ كما صرّح به أمير المؤمنين (عليه السلام) في بعض الأخبار السابقة (٢).
__________________
(١) فقد روى البلاذري ، أنّ عثمان لمّا أعطى عهدَ الله وميثاقَه أن لا يخالف سيرة رسول الله وسيرة الشيخين ، بايعه عبد الرحمن بن عوف وصافقه ، وبايعه أصحاب الشورى ، وكان أمير المؤمنين عليٌّ (عليه السلام) قائماً فقعد ، فقال له عبد الرحمن : بايع وإلاّ ضربتُ عنقك! ولم يكن مع أحد يومئذ سيفٌ غيره ، فخرج الإمام عليٌّ (عليه السلام) مغضباً ، فلحقه أصحاب الشورى وقالوا : بايع وإلاّ جاهدناك! فأقبل معهم يمشي حتّى بايع عثمان.
راجع : أنساب الأشراف ٦ / ١٢٨ ، شرح نهج البلاغة ١٢ / ٢٦٥ ، الإمامة والسياسة ١ / ٤٥ وفيه أنّ ابن عوف قال له : «فلا تجعل يا عليُّ سبيلا إلى نفسك ، فإنّه السيف لا غير!».
(٢) انظر الصفحة ٣٣٨ ، من هذا الجزء.