ودعوى أنّ ذلك على وجه الإشفاق والخشية من المعصية ، لا تلائم قوله : «إنّ لي شيطاناً يعتريني ...» إلى آخره ؛ فإنّه قول مَن عرفَ عادته ، وأبانَ عن صفةِ طائش لا يملك نفسه.
انتهى.
وممّا ذكرنا يُعلم بطلان ما أجاب به الخصم من أنّ لكلّ إنسان شيطاناً ، فإنّ الإشكال ليس من حيث إنّ له شيطاناً فقط ، بل من حيث طاعته له على سبيل العادة ، كما يقتضيه كلامه.
وأما ما في أخبارهم من أنّ للنبيّ شيطاناً ؛ فكذب ، بل له ملَكٌ يسدّده ، كما دلّ عليه حديث ابن راهويه والهروي (١) ؛ ولإثباته محلّ آخر.
وبالجملة : قول أبي بكر طعنٌ به وبإمامته من وجوه :
الأوّل : ما دلّ عليه من أنّ له شيطاناً قريناً له ، وهو فرع العشوة عن ذِكر الله تعالى ؛ لقوله تعالى : (ومَن يَعشُ عن ذِكر الرحمن نُقيّض له شيطاناً فهو له قرين) (٢).
وبالضرورة أنّ من هو كذلك ، ولا سيّما إذا لم يُؤمَن على الأشعار والأبشار ـ كما صرّحت به الأخبار التي ذكرناها ـ لا يصلح للإمامة والولاية على رقاب الناس وأموالهم.
وما زعمه الخصم من أنّه من باب الإنصاف ؛ خطأٌ ؛ لأنّه صدّق قوله بفِعله ، فإنّه في أوّل إمارته فعل ذلك بعمر وهو أخصّ الناس به وأعظمهم
__________________
(١) تقدّم آنفاً في الصفحتين ٢٥ ـ ٢٦.
(٢) سورة الزخرف ٤٣ : ٣٦.