ابن عفان ، وذكّرهم الوقعة التي أهلكتهم ، ومن لمَنْ سمع وأطاع دنياً لا تفنى ، وأثرة لا يفقدها».
وقد وفق ابن الحضرمي إلى حدٍّ ما في إثارة إحن القبائل ، وكأنّما سرت هذه النار التي أججها ابن الحضرمي بين قبائل البصرة إلى قبائل الكوفة ؛ للقرابة النسبيّة التي بين القبائل هنا وهناك. فقال علي عليهالسلام يخاطب قبائل الكوفة بهذه المناسبة من جملة كلام له :
«وإذا رأيتم الناس بينهم النائرة ، وقد تداعوا إلى العشائر والقبائل ، فاقصدوا لهامهم ووجوههم بالسيف حتّى يفزعوا إلى الله ، وإلى كتابه وسنّة نبيّه ؛ فأمّا تلك الحميّة فإنّها من خطرات الشياطين ، فانتهوا عنها ـ لا أباً لكم! ـ تُفلحوا وتنجحوا» (١).
* * *
وحينما بويع معاوية بالخلافة لم تخضع له البلاد الإسلاميّة كلّها خضوعاً تامّاً ، فقد كان هنالك الشيعة الذين يوالون علياً وأهل بيته ، وكان هنالك الخوارج الذين يتّفقون مع الشيعة في عدائهم للاُمويِّين ، وكان هنالك قبائل العراق التي لم تنظر بعين الارتياح إلى نقل بيت المال إلى الشام ، وإلى تفضيل أهل الشام في العطاء على أهل العراق (٢). هذا مضافاً إلى أنّ كثيراً من المسلمين كانوا يرون في انتصار الاُمويِّين انتصاراً للوثنية على الإسلام ؛ لذلك كلّه كرهوا الاُمويِّين وغطرستهم ، وكبريائهم وإثارتهم للأحقاد القديمة ، ونزوعهم للرّوح الجاهليّة (٣).
ولقد واجه معاوية هذه الموجة العارمة من البغضاء التي قوبل بها حكمه
__________________
(١) الطبري : ٤ / ٨٤ ـ ٨٦ ، وشرح نهج البلاغة.
(٢) ولهاوزن ، الدولة العربية : ١٠٨.
(٣) تاريخ الإسلامي السياسي ١ / ٢٧٨ ـ ٢٧٩.