والتجويع في العراق بسهولة ، وليستطيع أن يمنح العراقيين امتيازات يعلم أنّ ولاته ـ بسبب من حقدهم ـ لا ينفذونها ، فيفوز بحسن السمعة دون أن يتخلّى عن مبادئه.
ونذكر نموذجاً لذلك هو أنّه أمر لأهل الكوفة :
«بزيادة عشرة دنانير في أعطيتهم ، وعامله يومئذ على الكوفة وأرضها النعمان بن بشير (٣) ، وكان عثمانياً ، وكان يبغض أهل الكوفة لرأيهم في علي عليهالسلام ، فأبى النعمان أن ينفذها لهم ، فكلّموه وسألوه بالله فأبى أن يفعل.
ولمّا استرحمه عبد الله بن همام السلولي وطلب إليه في قطعة شعرية مؤثّرة أن ينجز لهم الزيادة ، قال :
«والله لا اُجيزها ولا اُنفذها أبداً» (١).
* * *
وهكذا حرم المسلمون من أموالهم لتُنفق هذه الأموال على الزعماء القبليين ، والقادة العسكريين ، وزمر الكذّابين على الله ورسوله.
وقد طُبّقت هذه السياسة ـ سياسة الإرهاب والتجويع ـ بالنسبة إلى المسلمين عموماً ، وبالنسبة إلى كلّ مَنْ اتّهم بحبّ علي وآله على الخصوص. لقد كان حبّ علي عليهالسلام سرطان الحكم الأموي ، فعزموا على قطعه تماماً.
ويُقدّم لنا يوليوس ولهاوزن صورة مُعبّرة عن الآثار السياسيّة والاجتماعيّة التي خلّفتها هذه السياسة في المجتمع العراقي في ذلك الحين.
«لقد غُلب أهل العراق في صراعهم مع أهل الشام ... وضاع منهم دخل الأراضي التي استولوا عليها ، وصار عليهم أن يقبلوا باُجور هي فتات موائد
__________________
(١) أبو الفرج الأصبهاني : الأغاني ، طبعة دار الكتب ج ١٦ / ٢٩ ـ ٣٢.