التي صار إليها. إنّ جميع الدلائل تشير إلى أنّ هذا الخبر إنّما هو من وضع الاُمويِّين وأعوانهم ، أرادوا أن يُوهموا الناس أنّ الحسين عليهالسلام خشع وخضع وحنى رأسه لسلطان يزيد ؛ ليشوّهوا بذلك الموقف البطولي الذي وقفه هو وأصحابه في كربلاء ، وقد حرص الاُمويّون وأعوانهم على إخفاء كثير من ملامح ثورة الحسين عليهالسلام ومُلابساتها ، وأذاعوا كثيراً من الأخبار المكذوبة عنها ؛ ليوقفوا عملها التدميري في ملكهم وسلطانهم ، ولكنّهم لم يفلحوا.
والذي يدلّ على هذا الخبر ما رواه كثير من المؤرّخين عن عقبة بن سمعان أنّه قال :
صحبت الحسين من المدينة إلى مكة ، ومن مكة إلى العراق ، ولم أفارقه حتّى قُتل ، وسمعت جميع مُخاطباته الناس إلى يوم مقتله ، فوالله ما أعطاهم ما يتذاكر به الناس من أنّه يضع يده في يد يزيد ، ولا أن يُسيّروه إلى ثغر من ثغور المسلمين ، ولكنّه قال : «دعوني أرجع إلى المكان الذي أقبلت منه ، أو دعوني أذهب في هذه الأرض العريضة حتّى ننظر إلى ما يصير إليه أمر الناس» ، فلم يفعلوا (١).
ولقد جعلهم موقفهم هذا من الحسين عليهالسلام بمثابة الثائرين على الإسلام نفسه.
وقد استغل الحسين عليهالسلام هذه النقطة ـ إصرارهم على قتله ، وامتناعهم عن الاستجابة لكلّ حلّ سلمي ، ومركزه في المسلمين ـ استغلالاً رائعاً ؛ فقد دأب في كلّ فرصة تُؤاتيه للكلام على تأكيد هذه الحقيقة للجيش الاُموي. وهذا نموذج من كلامه معهم في هذا الشأن :
«أيّها الناس ، اسمعوا قولي ولا تعجلوني حتّى أعظكم بما يجب لكم
__________________
(١) الطبري ٤ / ٣١٣ ، والكامل ٣ / ٢٨٣ ـ ٢٨٤ ، وأعيان الشيعة ٤ / قسم أول / ٢٤٤.