الإجماع ـ أو نقله ـ لا إلى النجاسة.
وأعجب من الجميع ما ذكره في دفع ما أورده على نفسه ـ عقيب الكلام المتقدّم ـ بقوله : « فإن قلت : لو لم يرتفع هذه الأحكام أيضا يلزم التخصيص ».
فقال : « قلت : هذا معارض بلزوم التخصيص في عمومات القليل ، والترجيح لها كما لا يخفى » (١) ، فإنّ الخاصّ في مقابلة العامّ بمنزلة النصّ ـ وإن كان بنفسه من جملة الظواهر ـ فيقدّم عليه.
ومحصّله يرجع إلى أنّه أظهر والأظهر يقدّم على الظاهر ، مع أنّ التخصيص الّذي يحترز عنه في عمومات القليل إن اريد به أصل التخصيص فهو وفاقي الحصول بيننا وبينه ، فكيف يعقل نفيه بترجيح تخصيص الخبرين عليه ، وإن اريد به كثرة التخصيص فالمقام ليس منها ، لأنّ المخرج عن تلك العمومات ليس إلّا فرد واحد وهو ماء الاستنجاء وليس في مقابله شيء يكون الأمر فيما بينه وبينه دائرا بين الأقلّ والأكثر حتّى يرجّح إخراج الأقلّ على إخراج الأكثر ، وما يرى من القلّة والكثرة اللتين يدور الأمر بينهما فهو مفروض بالنسبة إلى لوازم النجاسة الّتي كانت تثبت في ذلك الماء لو لا المخرج له عن عمومات النجاسة ، فلا يعقل في مثل ذلك أن يقال : إنّه قد ورد على تلك العمومات تخصيص ولكنّه مردّد بين كونه في الأقلّ أو الأكثر ، والأصل عدم الزيادة في التخصيص فيرجّح تخصيص الأقلّ.
وإن شئت توضيح ذلك فقس المقام على ما لو ورد خطاب عامّ بوجوب كلّ صلاة ، ثمّ قام خطاب آخر خاصّ بعدم وجوب صلاة الوتيرة مثلا ، والمفروض أنّ المنفيّ هنا شيء مركّب مفهومه بين الاستدعاء والمنع ، وقضيّة نفيه انتفاء كلّ من جزأيه ، فلا يمكن أن يقال : حينئذ بمنع ذلك لاستلزامه تخصيص الأكثر والمتيقّن ممّا خرج عن العامّ إنّما هو أحد جزئي وجوب هذا الفرد ، وهو المنع عن الترك مثلا ، فيحكم بأنّه الخارج تقليلا للتخصيص وذلك واضح.
واحتجّ في المناهل (٢) ـ مضافا إلى النصوص وغيرها ـ بالإجماعات المنقولة المتقدّم إليها الإشارة.
__________________
(١) مشارق الشموس : ٢٥٣.
(٢) المناهل ـ كتاب الطهارة ـ (مخطوط) الورقة : ١٣٩.