حدوث التغيّر ، وأمّا انتفاء بقائه بعد الحدوث فالمفهوم أيضا ساكت عن حكمه إلّا في وجه ضعيف تقدّم الإشارة إليه.
والظاهر أنّ طهره بإلقاء كرّ عليه ، أو إجراء جار آخر إليه ، أو نزول الغيث عليه ، مع مراعاة سائر الشروط المتقدّمة ـ الّتي منها زوال التغيّر في الجميع ، والدفعة في الأوّل والممازجة فيه وفي الباقيين أيضا ـ ، ممّا لا إشكال فيه ولا شبهة تعتريه ، لأنّ مناط الطهر بهذه الامور على التفصيل المتقدّم واحد يجري في الجميع ، وليس في عدم تعرّض الفقهاء إلّا لبيان ما سيأتي من العنوان دلالة على خلاف ما ذكرناه لأنّ إثبات الشيء لا ينفي ما عداه ، ووجه الاقتصار عليه التعرّض لذكر ما لا يجري في غير الجاري.
ومن هنا ترى جماعة من فحول الأصحاب أنّهم بالنسبة إلى العنوان الآتي فرّعوا على القول باشتراط الكرّيّة في عدم انفعال الجاري أنّ من لوازمه أن لا يطهّر ذلك الماء إلّا بمطهّر خارجي وإن كان عينا عظيما ما لم يكن الخارج من المنبع في كلّ نبع كرّا فما زاد.
وكيف كان فقد ذكروا أنّه « يطهّر بكثرة الماء الطاهر عليه ـ متدافعا ـ حتّى يزول التغيّر » كما في الشرائع (١) « أو إنّما يطهّر باكثار الماء المتدافع حتّى يزول التغيّر » كما في المنتهى (٢) ؛ « أو طهره بتدافعه حتّى يزول التغيّر » كما في الدروس (٣) ؛ والتصريح « بتدافع الماء من المادّة وتكاثره » محكيّ أيضا عن المبسوط (٤) والسرائر (٥) والوسيلة (٦) والمعتبر (٧) والتذكرة (٨) ، وكونه مع زوال التغيّر في الجملة مطهّرا ممّا لا خلاف فيه أيضا.
المسألة الثانية : في تطهير الجاري.
نعم ربّما يتوهّم الإشكال في أمرين :
أحدهما : طهره بمجرّد زوال التغيّر ، وقد صرّح غير واحد من أصحابنا المتأخّرين
__________________
(١) شرائع الإسلام ١ : ١٩.
(٢) منتهى المطلب ١ : ٦٤.
(٣) الدروس الشرعيّة ١ : ١١٩.
(٤) المبسوط ١ : ٦.
(٥) السرائر ١ : ٦٢حيث قال:« والطريق إلى تطهيرها تقويتها بالمياه الجارية ، ودفعها حتّى يزول عنها التغيّر ».
(٦) الوسيلة (سلسلة الينابيع الفقهيّة ٢ : ٤١٤) حيث قال : « ويمكن تطهيره بإكثار الماء إلى حدّ يزيل حكم الاستيلاء ... ».
(٧) المعتبر : ٨.
(٨) تذكرة الفقهاء ١ : ١٦.