تقتضي أشياء اخر من عدم جواز رفع الحدث ورفع الخبث والتناول ؛ للاتّفاق على عدم الفرق بين هذه الامور وبين تلك ، وهذان الخبران إنّما دلّا على ارتفاع بعض أحكامها ممّا ذكر ، وأمّا البعض الآخر من عدم جواز استعماله في رفع الحدث والخبث وتناوله ، فينبغي أن يكون على حاله حتّى يثبت ارتفاعه بدليل آخر ، ونفي البأس غير ظاهر في الجميع ، بل ظاهره عدم النجاسة أو العفو » (١).
فإنّ قوله : « لا بأس » إذا كانت نكرة منفيّة وكانت النكرة المنفيّة مفيدة للعموم خصوصا مع ملاحظة حذف المتعلّق المفيد للعموم أيضا ، وإذا كان نفي نجاسة الثوب مستلزما لنفي جميع لوازم النجاسة عن الماء الّذي هو في الثوب ، فأيّ شيء يدعو إلى دعوى أنّ هذان الخبران إنّما دلّا على ارتفاع بعض أحكامها ، وبأيّ قاعدة يقال : إنّ نفي البأس ظاهر في عدم النجاسة أو العفو ، مع أنّ العامّ لا يردّد بين العموم والخصوص إلّا على بعض المذاهب الفاسدة في صيغ العموم ـ المذكورة في فنّ الاصول ـ وكيف يعقل إبداء المعارضة بين عمومات القليل المقتضية لانفعاله بالملاقاة وبين هذين الخبرين ، وهما خاصّان وكلّ خاصّ مقدّم على العامّ وحاكم عليه ، وهل الكلام المذكور التزام بالتخصيص في المخصّص أيضا بعد التزامه في المخصّص بلا دليل يقضي بذلك.
نعم ، غاية ما يلتزم به من التخصيص في المخصّص ـ بالكسر ـ إنّما هو بالنسبة إلى رفع الحدث ، لنقل الإجماع على عدم جوازه بذلك الماء مع إمكان المناقشة فيه ، وأمّا سائر أحكام الطهارة فباقية تحت عموم نفي البأس وغيره.
لا يقال : التزام ما ذكر من التخصيص يكفي الخصم في إثبات النجاسة مع العفو ؛ لأنّ النجاسة هي الباعثة على ذلك الحكم الثابت بالإجماع ، لمنع انحصار الباعث على هذا الحكم في النجاسة ، ألا يرى أنّ المضاف أيضا ممّا لا يرفع به الحدث ، وكذا الماء المغصوب ، والماء المستتبع استعماله في ذلك للضرر على النفس المحترمة ونحوها ، ولعلّ الباعث على ذلك في ماء الاستنجاء زوال وصف ينوط به قوّته الرافعة غير الطهارة ، أو حدوث وصف يمنع عن تأثيره في الرفع غير النجاسة ، وقد علم به الشارع الحكيم ونبّه عليه ، وممّا يفصح عن ذلك استناد المفتين بذلك في الكتب الفقهيّة إلى
__________________
(١) مشارق الشموس : ٢٥٣.