الأخيرة على محلّ البحث بناء على ما سبق من طهارة ماء الاستنجاء وعدم اشتمال السؤال على ملاقاة النجاسة صريحا ، وكيف كان فالقول المذكور في غاية الضعف.
المقصد الثاني : في عدم جواز استعماله في الشرب وغيره ممّا يتوقّف على الماء من أنواع المآكل ، ما لم تدع إليه ضرورة مبيحة لعامّة المحذورات عدا ما خرج ، والظاهر أنّ هذين الحكمين أيضا إجماعيّ ، وما تقدّم من الفتاوى مصرّحة بهما ، والأخبار المستفيضة المتقدّمة في الباب المشار إليه ـ مضافة إلى غيرها ـ ناطقة بأوّلهما ، كما أنّ الظاهر أنّ الحرمة الذاتيّة هنا ممّا لا إشكال فيه ، لكن ظاهر الفتاوى مع النصوص المشار إليها اختصاص المنع بالشرب وما يلحق به دون سائر الانتفاعات من سقي الدوابّ والأشجار والبساتين والمزارع والأبنية ، باستعماله في الطين والجصّ وعجن الحناء وغيره من الأصباغ.
نعم عن الشيخ في المبسوط (١) عدم جواز استعماله بحال.
وتحقيق القول في ذلك يستدعي النظر في كون الأصل في المتنجّسات جواز الانتفاع بها مطلقا إلّا ما خرج بالدليل ، أو عدم جوازه إلّا ما ثبت بالدليل؟
وظاهر أنّ المراد بالأصل المطلوب هنا هو الأصل الثانوي ، وإلّا فمقتضى الأصل الأوّلي المستفاد من عموم (خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) (٢) الجواز مطلقا ، ضرورة اندراج المتنجّس قبل طروّ النجاسة له تحت ذلك العامّ ، وطروّ النجاسة أوجب الشكّ في كون الطارئ مانعا وعدمه ، فالمقتضي للجواز موجود والشكّ في مانعيّة الطارئ. وقضيّة ذلك كون الأصل هو الجواز مطلقا ، لكنّ الكلام في انقلاب هذا الأصل إلى أصل ثانوي مستفاد من عموم الدليل وعدمه.
وقد وقع الخلاف في ذلك بين أصحابنا رضوان الله عليهم فعن القدماء ومشهور المتأخّرين كالشيخين في المقنعة (٣) والنهاية (٤) والخلاف (٥) والمبسوط (٦) والسلّار (٧)
__________________
(١) المبسوط ١ : ٦ قال فيه « فإن تغيّر أحد اوصافه بنجاسة تحصل فيه فلا يجوز استعماله إلّا عند الضرورة للشرب لا غير ... الخ ».
(٢) البقرة : ٢٩.
(٣) المقنعة : ٥٨٢ ـ ٦٩ ـ ٦٨ ـ ٦٥ حيث قال : « ولا بأس أن يشرب المضطرّ من المياه النجسة بمخالطة الميتة لها ، والدم وما أشبه ذلك ولا يجوز له شربها مع الاختيار ... ».
(٤) النهاية ونكتها ١ : ٢٠٩. (٥) الخلاف ١ : ١٩٧ المسألة ١٥٣.
(٦) المبسوط ١ : ٦ و ٧.
(٧) المراسم : ٣٤ قال : « وأمّا المضاف إلى النجس فليس بطاهر ولا مطهّر ، ولا يجوز شربه ولا استعماله على وجه إلّا أن تدعو إلى شربه ضرورة ... ».