وقوله : « وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً » حجة أخرى على وحدانيته تعالى من جهة الرزق فإن رزق العباد من شئون الربوبية والألوهية والرزق من الله دون شركائهم فهو الرب الإله دونهم.
وقد فسروا الرزق بالمطر والسماء بجهة العلو ، ولا يبعد أن يراد بالرزق نفس الأشياء التي يرتزق بها وبنزولها من السماء بروزها من الغيب إلى الشهادة على ما يفيده قوله : « وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ » الحجر : ـ ٢١.
وقوله : « وَما يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ » معترضة تبين أن حصول التذكر بهذه الحجج إنما هو شأن إحدى الطائفتين المذكورتين من قبل وهم المنيبون الراجعون إلى ربهم دون المجادلين الكافرين فإن الكفر والجحود يبطل استعداد التذكر بالحجة والاتباع للحق.
قوله تعالى : « فَادْعُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ » الأنسب للسياق أن يكون الخطاب عاما للمؤمنين وغيرهم متفرعا على الحجة السابقة غير أنه لا يشمل الكافرين المذكورين في آخر الآية وهم المكذبون المجادلون بالباطل.
كأنه قيل : إذا كانت الآيات تدل على وحدانيته تعالى وهو الرازق فعلى غير الكافرين الذين كذبوا وجادلوا أن يدعوا الله مخلصين له الدين ، وأما الكافرون الكارهون للتوحيد فلا مطمع فيهم ولا آية تفيدهم ولا حجة تقنعهم فاعبدوه بالإخلاص ودعوا الكافرين يكرهون ذلك.
قوله تعالى : « رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ » إلخ صفات ثلاث له تعالى وكل منها خبر بعد خبر للضمير في قوله : « هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ » والآية وما بعدها مسوقة للإنذار.
وقد أورد لقوله : « رَفِيعُ الدَّرَجاتِ » تفاسير شتى فقيل : معناه رافع درجات الأنبياء والأولياء في الجنة ، وقيل : رافع السماوات السبع التي منها تصعد الملائكة إلى عرشه ، وقيل : رفيع مصاعد عرشه ، وقيل : كناية عن رفعة شأنه وسلطانه.
والذي يعطيه التدبر أن الآية وما بعدها يصفان ملكه تعالى على خلقه أن له عرشا تجتمع فيه أزمة أمور الخلق ويتنزل منه الأمر متعاليا بدرجات رفيعة هي