وكيف كان فالأرباب والآلهة هم المعبودون عندهم وهم موجودات ممكنة مخلوقة لله مقربة عنده مفوضة إليهم تدبير أمر العالم لكل بحسب منزلته وأما الله سبحانه فليس له إلا الخلق والإيجاد وهو رب الأرباب وإله الآلهة.
إذا تذكرت ما مر ظهر أن المراد بقوله : « وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ » اتخاذهم أربابا يدبرون الأمر بأن يسندوا الربوبية وأمر التدبير إليهم لا إلى الله فهم المدبرون للأمر عندهم ويتفرع عليه أن يخضع لهم ويعبدوا لأن العبادة لجلب النفع أو لدفع الضرر أو شكر النعم وكل ذلك إليهم لتصديهم أمر التدبير دون الله سبحانه.
فالمراد باتخاذهم أولياء اتخاذهم أربابا (١) ، ولذا عقب اتخاذ الأولياء بذكر العبادة « ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا » فقوله : « وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ » مبتدأ خبره « إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ » إلخ والمراد بهم المشركون القائلون بربوبية الشركاء وألوهيتهم دون الله إلا ما ذهب إليه جهلتهم من كونه تعالى شريكا لهم في المعبودية.
وقوله : « ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى » تفسير لمعنى اتخاذ الأولياء من دون الله وهو حكاية لقولهم أو بتقدير القول أي يقولون : ما نعبدهم هؤلاء إلا ليقربونا بسبب عبادتنا لهم إلى الله تقريبا فهم عادلون منه تعالى إلى غيره ، وإنما سموا مشركين لأنهم يشركون به تعالى غيره حيث يقولون بكونهم أربابا وآلهة للعالم وكونه تعالى ربا وإلها لأولئك الأرباب والآلهة ، وأما الشركة في الخلق والإيجاد فلم يقل به لا مشرك ولا موحد.
وقوله : « إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ » قيل : ضمير الجمع للمشركين وأوليائهم أي إن الله يحكم بين المشركين وبين أوليائهم فيما هم فيه يختلفون ، وقيل : الضميران راجعان إلى المشركين وخصمائهم من أهل الإخلاص في الدين المفهوم من السياق ، والمعنى إن الله يحكم بينهم وبين المخلصين للدين.
وقوله : « إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ » الكفار كثير الكفران لنعم الله
__________________
(١) فالولاية والربوبية قريبا المعنى فالرب هو المالك المدبر والولي هو مالك التدبير أو متصدي التدبير.