وقد صح عن النبي صلىاللهعليهوآله فيما رواه الفريقان أنه قال : إن الله حرم من الرضاعة ما حرم من النسب ولازمه أن تنتشر الحرمة بالرضاع فيما يحاذي محرمات النسب من الأصناف ، وهي الأم والبنت والأخت والعمة والخالة وبنت الأخ وبنت الأخت ، سبعة أصناف.
وأما ما به يتحقق الرضاع وما له في نشره الحرمة من الشرائط من حيث الكم والكيف والمدة وما يلحق بها من الأحكام فهو مما يتبين في الفقه ، والبحث فيه خارج عن وضع هذا الكتاب ، وأما قوله : ( وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ ) فالمراد به الأخوات الملحقة بالرجل من جهة إرضاع أمه إياها بلبن أبيه وهكذا.
قوله تعالى : « وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ » سواء كانت النساء أي الأزواج مدخولا بهن أو غير مدخول بهن فإن النساء إذا أضيفت إلى الرجال دلت على مطلق الأزواج ، والدليل على ذلك التقييد الآتي في قوله تعالى : ( مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَ ) الآية.
قوله تعالى : « وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ » إلى قوله : « فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ » الربائب جمع الربيبة وهي بنت زوجة الرجل من غيره لأن تدبير أمر من مع المرأة من الولد إلى زوجها فهو الذي يربها ويربيها في العادة الغالبة وإن لم يكن كذلك دائما.
وكذلك كون الربيبة في حجر الزوج أمر مبني على الغالب وإن لم يجر الأمر عليه دائما ، ولذلك قيل : إن قوله : ( اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ ) قيد مبني على الغالب فالربيبة محرمة سواء كانت في حجر زوج أمها أو لم يكن ، فالقيد توضيحي لا احترازي.
ومن الممكن أن يقال : إن قوله : ( اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ ) ، إشارة إلى ما يستفاد من حكمة تشريع الحرمة في محرمات النسب والسبب على ما سيجيء البحث عنه ، وهو الاختلاط الواقع المستقر بين الرجل وبين هؤلاء الأصناف من النساء والمصاحبة الغالبة بين هؤلاء في المنازل والبيوت فلو لا حكم الحرمة المؤبدة لم يمكن الاحتراز من وقوع الفحشاء بمجرد تحريم الزنا ( على ما سيجيء بيانه ).
فيكون قوله : « اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ » مشيرا إلى أن الربائب لكونهن غالبا في حجوركم وفي صحابتكم تشارك سائر الأصناف في الاشتمال على ملاك التحريم وحكمته.