طريقة التحريم والعمل بها وهضم حقوق الأيتام الصغار ، والكناية بالقول عن الفعل للملازمة بينهما غالبا شائع في اللسان كقوله تعالى : ( وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً ) الآية : ـ البقرة ٨٣ ، ويؤيده توصيف القول بالسديد دون المعروف واللين ونحوهما فإن ظاهر السداد في القول كونه قابلا للاعتقاد والعمل به لا قابلا لأن يحفظ به كرامة الناس وحرمتهم.
وكيف كان فظاهر قوله : ( الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ ) إنه تمثيل للرحمة والرأفة على الذرية الضعاف الذين لا ولي لهم يتكفل أمرهم ويذود عنهم الذل والهوان ، وليس التخويف والتهديد المستفاد من الآية مخصوصا بمن له ذرية ضعفاء بالفعل لمكان لو في قوله : ( لَوْ تَرَكُوا ) ، ولم يقل : لو تركوا ذريتهم الضعاف بل هو تمثيل يقصد به بيان الحال ، والمراد الذين من صفتهم أنهم كذا أي أن في قلوبهم رحمة إنسانية ورأفة وشفقة على ضعفاء الذرية الذين مات عنهم آباؤهم وهم الأيتام والذين من صفتهم كذا هم الناس وخاصة المسلمون المتأدبون بأدب الله المتخلقون بأخلاقه فيعود المعنى إلى مثل قولنا : وليخش الناس وليتقوا الله في أمر اليتامى فإنهم كأيتام أنفسهم في أنهم ذرية ضعاف يجب أن يخاف عليهم ويعتنى بشأنهم ولا يضطهدوا ولا يهضم حقوقهم فالكلام في مساق قولنا : من خاف الذل والامتهان فليشتغل بالكسب وكل يخاف ذلك.
ولم يؤمر الناس في الآية بالترحم والترؤف ونحو ذلك بل بالخشية واتقاء الله وليس إلا أنه تهديد بحلول ما أحلوا بأيتام الناس من إبطال حقوقهم وأكل مالهم ظلما بأيتام أنفسهم بعدهم ، وارتداد المصائب التي أوردوها عليهم إلى ذريتهم بعدهم.
وأما قوله : ( فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً ) فقد تقدم أن الظاهر أن المراد بالقول هو الجري العملي ومن الممكن أن يراد به الرأي.
(كلام في انعكاس العمل إلى صاحبه)
من ظلم يتيما في ماله فإن ظلمه سيعود إلى الأيتام من أعقابه ، وهذا من الحقائق العجيبة القرآنية ، وهو من فروع ما يظهر من كلامه تعالى أن بين الأعمال الحسنة والسيئة وبين الحوادث الخارجية ارتباطا ، وقد تقدم بعض الكلام فيه في البحث عن