خيبة سعيهم وخسران صفقتهم في جميع شئون الحياة وضروب السعادة ، قال تعالى : ( وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ ) : « الأنبياء : ١٠٩ » ، وقال تعالى : ( وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ ) : « الأنعام : ١٩ ».
(كيف ظهرت الدعوة الإسلامية؟)
كان وضع المجتمع الإنساني يومئذ ( عهد الجاهلية ) ما سمعته من إكباب الناس على الباطل وسلطة الفساد والظلم عليهم في جميع شئون الحياة ، وهو ذا دين التوحيد وهو الدين الحق يريد أن يؤمر الحق ويوليه عليهم تولية مطلقة ، ويطهر قلوبهم من ألواث الشرك ، ويزكي أعمالهم ويصلح مجتمعهم بعد ما تعرق الفساد في جذوره وأغصانه وباطنه وظاهره.
وبالجملة يريد الله ليهديهم إلى الحق الصريح ، وما يريد ليجعل عليهم من حرج ولكن يريد ليطهرهم وليتم نعمته عليهم ، فما هم عليه من الباطل وما يريد منهم كلمة الحق في نقطتين متقابلتين وقطبين متخالفين ، فهل كان يجب أن يستمال منهم البعض ويصلح بهم الباقين من أهل الباطل ، ثم بالبعض البعض حرصا على ظهور الحق مهما كان وبأي وسيلة تيسر كما قيل : إن أهمية الغاية تبيح المقدمة ولو كانت محظورة ، وهذا هو السلوك السياسي الذي يستعمله أهل السياسة.
وهذا النحو من السلوك إلى الغرض قلما يتخلف عن الإيصال إلى المقاصد في أي باب جرى غير أنه لا يجري في باب الحق الصريح وهو الذي تؤمه الدعوة الإسلامية فإن الغاية وليدة مقدماتها ووسائلها وكيف يمكن أن يلد الباطل حقا وينتج السقيم صحيحا والوليد مجموعة مأخوذة من اللذين يلدانه؟.
وبغية السياسة وهواها أن تبلغ السلطة والسيطرة ، وتحوز السبق والتصدر والتعين والتمتع بأي نحو اتفق ، وعلى أي وصف من أوصاف الخير والشر والحق والباطل انطبق ، ولا هوى لها في الحق ، ولكن الدعوة الحقة لا تبتغي إلا الغرض