من أشراف بني الحارث بن كعب وسادتهم ، قال : وكان قيس بن الحصين ذو الغصّة ويزيد بن عبد المدان ببلاد حضر موت فقدما نجران على بقيّة مسير قومهم فشخصا معهم ، فاغترز (١) القوم في ظهور مطاياهم وجنبوا خيلهم وأقبلوا لوجوههم حتّى وردوا المدينة ، قال : ولمّا استرات (٢) رسول الله صلىاللهعليهوآله خبر أصحابه أنفذ إليهم خالد بن الوليد في خيل سرجها معه لمشارفة أمرهم ، فالفوهم وهم عامدون إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله.
قال : ولما دنوا من المدينة أحبّ السيد والعاقب ان يباهيا المسلمين وأهل المدينة بأصحابهما وبمن حفّ من بني الحارث معهما فاعترضاهم ، فقالا : لو كففتم صدور ركابكم ومسستم الأرض فألقيتم عنكم تفثكم (٣) وثياب سفركم ، وشننتم (٤) عليكم من باقي مياهكم كان ذلك أمثل ، فانحدر القوم عن الركاب فأماطوا (٥) من شعثهم وألقوا عنهم ثياب بذلتهم (٦) ولبسوا ثياب صونهم من الأتحميات (٧) والحرير ، وذرّوا (٨) المسك في لممهم (٩) ومفارقهم ، ثم ركبوا الخيل واعترضوا بالرماح على مناسج (١٠) خيلهم وأقبلوا يسيرون رزدقا (١١) واحدا وكانوا من أجمل العرب صورا وأتمّهم أجساما وخلقا.
فلمّا تشرّفهم الناس أقبلوا نحوهم فقالوا : ما رأينا وفدا أجمل من هؤلاء ، فأقبل القوم حتّى دخلوا على رسول الله صلىاللهعليهوآله في مسجده وحانت (١٢) وقت صلاتهم ، فقاموا
__________________
(١) اغترز القوم : ركب القوم.
(٢) الاستراءة : الاستبطاء.
(٣) التفث : الشعث والكثافات.
(٤) شن الماء : صبه وفرقه.
(٥) أماط : أبعد.
(٦) البذلة : ما لا يصان من الثياب.
(٧) الاتحمية : نوع من البرد.
(٨) ذر الملح والطيب : نثرة وفرقه.
(٩) اللم جمع اللمة ، وهو الشعر يجاوز شحمة الأذن.
(١٠) منسج الفرس : أسفل من حاركه.
(١١) الرزدق : الصف من الناس.
(١٢) حانت : قربت.