قال العاقب : أفلح من سلّم للحقّ وصدع به ولم يرغب عنه وقد أحاط به علما ، فقد علمنا وعلمت من أبناء الكتب المستودعة علم القرون وما كان وما يكون ، فإنّها استهلّت بلسان كلّ أمة منهم معربة مبشّرة ومنذرة بأحمد النّبي ، العاقب الّذي تطبق أمّته المشارق والمغارب يملك وشيعته من بعده ملكا مؤجّلا يستأثر (١) مقتبلهم (٢) ملكا على الاحمّ (٣) منهم بذلك النّبي وتباعة وسيما ، ويوسع من بعدهم أمّتهم عدوانا وهضما ، فيملكون بذلك سبتا (٤) طويلا حتّى لا يبقى بجزيرة العرب بيت الاّ وهو راغب إليهم أو راهب لهم.
ثم بدال بعد لأي منهم ويشعث (٥) سلطانهم حدّا حدّا وبيتا فبيتا ، حتّى تجيء أمثال النعف (٦) من الأقوام فيهم ، ثم يملك أمرهم عليهم عبداؤهم وقنّهم ، يملكون جيلا فجيلا ، يسيرون في الناس بالقعسريّة (٧) خبطا (٨) خبطا ، ويكون سلطانهم سلطانا عضوضا ضروسا ، فتنقص الأرض حينئذ من أطرافها ويشتدّ البلاء وتشتمل الآفات حتّى يكون الموت أعزّ من الحياة الحمراء (٩) ، أو أحبّ حينئذ إلى أحدهم من الحياة (١٠) ، وما ذلك الاّ لما يدهنون به من الضّر والضرّاء والفتنة العشواء وقوّام الدين يومئذ وزعماؤهم يومئذ أناس ليسوا من أهله ، فمجّ (١١) الدين بهم وتعفو آياته ويدبّر تولّيا وامحاقا ، فلا يبقى منه الاّ اسمه حتّى ينعاه ناعيه والمؤمن يومئذ غريب والدّيانون قليل ما هم ، حتّى يستأنس الناس من روح الله وفرجه إلاّ أقلّهم ، وتظن أقوام ان لن ينصر الله رسله ويحقّ وعده.
__________________
(١) الاستيثار : الاستبداد.
(٢) اقتبل امره : استأنفه ، اقتبل الخطبة : ارتجلها.
(٣) أي أقربهم.
(٤) سبتا : دهرا.
(٥) يشعث : يتفرق.
(٦) النعف : الدود الذي في أنوف الإبل والغنم.
(٧) بالقهرية ( خ ل ) ، أقول : القعسريّة : الصلابة.
(٨) الخبط : الجماعة.
(٩) الحمراء : الشديدة.
(١٠) من الحبوة إلى المعافاة السليم ، حبوة التسليم ( خ ل ).
(١١) فمج ( خ ل ).