فصلّ عليه فانّي وملائكتي نصلّي عليه.
قال : فما أتى حارثة بن أثال على قوله هذا حتّى أظلم بالسيّد والعاقب مكانهما ، وكرها ما قام به في الناس معربا ومخبرا عن المسيح عليهالسلام بما أخبر وقدم من ذكر النّبي محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لأنّهما كانا قد أصابا بمواضعهما من دينهما شرفا بنجران ووجها عند ملوك النصرانيّة جميعا ، وكذلك عند سوقتهم وعربهم في البلاد ، فأشفقا ان يكون ذلك سببا لانصراف قومهما عن طاعتهما لدينهما وفسخا لمنزلتهما في الناس.
فأقبل العاقب على حارثة فقال : أمسك عليك يا حار ، فانّ رادّ هذا الكلام عليك أكثر من قابله ، وربّ قول يكون بليّة على قائله ، وللقلوب نفرات عند الإصداع (١) بمظنون الحكمة ، فاتّق نفورها ، فلكلّ نبأ أهل ، ولكلّ خطب محلّ ، وانّما الدرك (٢) ما أخذ لك بمواضي النجاة ، وألبسك جنّة السّلامة ، فلا تعدلنّ بهما حظّا ، فانّي لم آلك لا أبا لك نصحا ثمّ ارمّ (٣).
فأوجب السيّد ان يشرك العاقب في كلامه ، فأقبل على حارثة فقال : انّي لم أزل أتعرّف لك فضلا تميل إليك الألباب ، فإيّاك أن تقعد مطيّة اللّجاج ، وان توجف إلى السراب (٤) ، فمن عذر بذلك فلست فيه أيّها المرء بمعذور ، وقد أغفلك أبو واثلة ، وهو وليّ أمرنا وسيّد حضرنا عتابا فأوله (٥) اعتبارا (٦).
ثمّ تعلم ان ناجم (٧) قريش يعني رسول الله صلىاللهعليهوآله يكون رزؤه (٨) قليلا ، ثم ينقطع ويخلو ، انّ بعد ذلك قرن يبعث في آخره النبيّ المبعوث بالحكمة والبيان والسّيف والسلطان ، يملك ملكا مؤجّلا ، تطبق فيه أمّته المشارق والمغارب ، ومن ذرّيته الأمير
__________________
(١) الصدع : الشق ، صدع بالأمر : تظلّم به جهارا.
(٢) الدرك : اللحاق والوصول.
(٣) ارمّ القوم : سكتوا.
(٤) الآل والسراب ( خ ل ) ، الآل الذي تراه أول النهار وآخره يرفع الشخوص وليس بالسراب.
(٥) اوله : أعطه.
(٦) اعتابا ( خ ل ).
(٧) ناجم قريش أي الرجل الظاهر منهم ، من نجم الشيء إذا أظهر.
(٨) الرزء : المصيبة.