قال : والطيّب ما لم يعلم فيه نجاسة. ومعلوم زوال النجاسة عن هذه الأرض ، وإنّما يدّعى حكمها ، وذلك يحتاج إلى دليل (١). هذه عبارته.
وذكر في موضع آخر من الكتاب بعد هذا : أنّ البول إذا أصاب موضعا من الأرض وجفّفته الشمس طهر الموضع ، وإن جفّ بغير الشمس لم يطهر (٢).
وقد حكى كلام الشيخ هنا جماعة من الأصحاب منهم العلّامة في المنتهى والمختلف. وذكر أنّ ابن إدريس أخذ على الشيخ ذلك. قال في المختلف : والظاهر أنّ مراد الشيخ بهبوب الرياح المزيلة للأجزاء الملاقية للنجاسة الممازجة لها ، وليس مقصود الشيخ ذهاب الرطوبة عن الأجزاء كذهابها بحرارة الشمس (٣).
وفي هذا العمل تعسّف ظاهر. ولو لا مخالفة الشيخ نفسه في هذا الحكم لم يكن بذلك البعيد ؛ لما علم من أنّ الدليل على ثبوت التنجيس في مثله بعد ذهاب العين منحصر في الإجماع ، والشيخ قد ادّعى الإجماع على الطهارة ، فلا أقلّ من أن يكون ذلك دليلا على انتفاء الإجماع على النجاسة.
وربّما يظنّ كون حديث محمّد بن إسماعيل بن بزيع منافيا له من حيث دلالته ـ بعد التأويل ـ على نفي الطهارة مع الجفاف بغير الشمس. وليس الأمر كذلك ؛ فإنّه بعد صرفه عن ظاهره محتمل لوجوه من التأويل ولا مرجّح لبعضها على بعض ، وهو على الاحتمال الذي ذكرناه أخيرا مساو لباقي الأخبار ، فلا يكون وجه المنافاة فيه ظاهرا.
__________________
(١) الخلاف ١ : ٢١٨.
(٢) الخلاف ١ : ٤٩٥.
(٣) مختلف الشيعة ١ : ٤٨٢.