بخلاف الدهن ؛ فإنّ مخالطة الماء له غير مستقرّة إذ يسرع انفصاله منه [ فتبقى ] الصلاحيّة للانتفاع بحالها ، وهو ظاهر فلذلك اقتصر في الذكر عليه.
وقد ناقشه جماعة بأنّ العلم بوصول الماء إلى جميع أجزاء الدهن غير ممكن بل قد يعلم خلافه ؛ لأنّ الدهن يبقى في الماء مودعا فيه غير مختلط به وإنّما يصيب سطحه الظاهر. وهذا كلام جيّد.
بل التحقيق أنّ العيان شاهد باستحالة مداخلة الماء لجميع أجزاء الدهن وأنّه مع الاختلاط لا يحصل له إلّا ملاقاة سطوح الأجزاء المنقطعة بالضرب ولا سبيل إلى نفوذ الماء في بواطنها ؛ ولهذه العلّة تبقى على الصلاحيّة للانتفاع إذ اختلاطه بالماء إنّما حصل على جهة التفرّق في خلاله فإذا ترك ضربه سارع إلى الانفصال واستقرّ لخفّته على وجه الماء. وهذا من الامور الواضحة التي لا تحتاج إلى كثير تأمّل.
وأمّا غير الدهن من ساير المائعات سوى الماء على ما مضى من الكلام فيه فإنّما يعقل حصول الطهارة لها مع إصابة الماء لجميع أجزائها وذلك إنّما يتحقّق بشيوعها في الماء واستهلاكها فيه بحيث لا يبقى شيء من أجزائها ممتازا ؛ إذ مع الامتياز يعلم عدم نفوذ الماء في ذلك الجزء الممتاز. وإذا حصل الاستهلاك على الوجه المذكور يخرج المائع عن الحقيقة التي كان عليها كما يخرج عين النجاسة بشيوعها في الماء الكثير عن حكمها. ومثل هذا لا يسمّى تطهيرا في الاصطلاح ؛ إذ الغرض من التطهير عود الجسم المطهّر إلى وصف الطهارة مع بقاء الحقيقة وذلك مفقود في الصور المذكورة.
وقد وقع في عبارات بعض الأصحاب أنّ المائعات إذا امتزجت بالكثير بحيث يطلق على الجميع اسم الماء طهرت وإلّا فلا.
وأنت إذا أحطت خبرا بما قلناه علمت أنّ هذا الكلام ليس على ما ينبغي ؛