ولعلّ نظر الشيخ إلى ما ذكره بعض المفسّرين من دلالة قوله تعالى ( سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ) (١) الآية ، على كفر المجبّرة. وإذا ثبت كفرهم تناولهم دليل نجاسة الكافر.
وذكر في توجيه دلالة الآية على ذلك : أنّها إخبار بما سوف يقوله المشركون ، ثمّ لمّا قالوه قال سبحانه ( وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ ) (٢) ، يعنون بكفرهم وتمرّدهم أنّ شركهم وشرك آبائهم وتحريمهم ما أحلّ الله بمشيّة الله وإرادته ، ولو لا مشيّة الله لم يكن شيء من ذلك كمذهب المجبّرة بعينه.
قال : ومعنى قوله سبحانه ( كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ) جاءوا بالتكذيب المطلق لأنّ الله عزّ وعلا ركّب في العقول وأنزل في الكتب ما دلّ على غناه وبراءته من مشيّة القبائح وإرادتها والرسل خبّروا بذلك (٣) ، فمن علّق وجود القبائح من الكفر والمعاصي بمشيّته وإرادته فقد كذّب التكذيب كلّه وهو تكذيب الله وكتبه ورسله ونبذ أدلّة العقل والسمع وراء ظهره.
وهذا التوجيه قريب. إلّا أنّ الكلام يحتمل وجها آخر ، وهو أن يكون المراد بالتكذيب تكذيب الرسل اللازم من قولهم هذا.
وبالجملة فدلالة الآية على بطلان قولهم ممّا لا ريب فيه. وأمّا إطلاق التكذيب عليه نفسه حتّى يكون كفرا فمحتمل كاحتمال إطلاقه على لازمه الذي هو عدم اتّباع الرسل.
__________________
(١) سورة الأنعام : ١٤٨.
(٢) سورة الزخرف : ٢٠.
(٣) في « ب » : والرسل أخبروا بذلك.