ثمّ قوله ( يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ ) (١) فغير مستبعد بعد هذا كلّه أن يقع في الوهم انقطاع الوصلة بين المسلمين والكفّار بكلّ وجه فذكر سبحانه ما يزيل الوهم وسوّغ للمسلمين إعطاء أهل الكتاب طعامهم بالبيع ونحوه وأباح لهم أخذ طعام أهل الكتاب كذلك وجعله دليلا على عدم التكليف بالتقاطع في مثل ذلك.
وفي الحقيقة لا بدّ من ارتكاب نحو هذا التقريب في ذكر حلّ طعام المسلمين لأهل الكتاب فيقرب اعتباره في الطرف الآخر هذا.
ويرد على التمسّك بالروايات في أصل الحجّة أنّه وإن كان أكثرها واضح الدلالة والأصل معها عضد قويّ إلّا أنّ موافقتها لأهل الخلاف يتطرّق به احتمال التقيّة.
وربّما كان في بعضها إشعار بذلك كقوله في رواية الكاهلي : أمّا أنا فلا أدعوه ولا اواكله وإنّي لأكره أن احرّم عليكم شيئا تصنعونه في بلادكم (٢).
ثمّ إنّ مصير جمهور الأصحاب إلى القول بالتنجيس مقتض للاستيحاش في الذهاب إلى خلافه. بل قد ذكرنا أنّ جماعة ادّعوا الإجماع على عموم الحكم بالتنجيس لجميع الأصناف. وكلام العلّامة في المنتهى ظاهر فيه أيضا (٣).
وكأنّهم لم يعتبروا الخلاف المحكيّ في ذلك. أمّا من جهة المفيد فلأنّه موافق في أحد قوليه (٤) ، ولعلّهم اطّلعوا على أنّه المتأخر. وأمّا ابن الجنيد فلأنّ
__________________
(١) سورة المائدة : ٤.
(٢) الكافي ٦ : ٢٦٣ ، كتاب الأطعمة ، باب طعام أهل الذمة ، الحديث ٤.
(٣) منتهى المطلب ٣ : ٢٢٢.
(٤) المعتبر ١ : ٩٥.