وأمّا إذا أبقي الطعام على عمومه فإنّ النكتة تكون حينئذ ظاهرة من حيث إنّ تعليق التحليل بالطيّبات يؤذن بأنّ طعام أهل الكتاب ليس محلّلا على الإطلاق ؛ إذ المانع منه لا ينفكّ من ملاقاة النجاسات غالبا أو من مخالطة بعض المحرّمات فيحسن لذلك إفراده بالذكر وبيان الرخصة في تحليله مطلقا.
وقد اعترف مورد هذا الإشكال بالعجز عن جوابه وترجّى من الله سبحانه أن يفتح عليه به.
وأرى الجواب عنه سهلا بعد ثبوت كون المراد من الآية هو الخصوص بدلالة النصوص ؛ فإنّ وجود النكتة على تقدير إبقاء الآية على عمومها من جهة احتمال عدم صدق وصف الطيّب على المائع للاعتبار الذي ذكره ينقدح بملاحظته وجود نحوه على تقدير التخصيص ؛ فإنّ الاحتمال قائم في الحبوب وشبهها ، وذلك لأنّ المباشرة بأيديهم والمزاولة في وقت التصفية وغيرها لا يؤمن معها ملاقاة ما يوجب التنجيس أو يقتضي الاستخباث ، فبيّن سبحانه أنّ قيام مثل هذا الاحتمال لا يخرج عن وصف الطيّب الذي علّق التحليل به.
ويحتمل الكلام وجها آخر وهو أن يكون الحكم بحلّ طعام أهل الكتاب للمسلمين وحلّ طعام المسلمين لأهل الكتاب كناية عن عدم إرادة قطع الوصلة بين الفريقين رأسا ، كما قد يشعر به المباينة الدينية ، وكون مساق جملة من الآيات السابقة على هذه الآية لبيان ما حرّم على المسلمين والكفّار يستحلّونه.
وقوله سبحانه في جملة تلك الآيات ( الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ .. الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ) (١)
__________________
(١) سورة المائدة : ٣.