وأمّا قوله قدسسره في الكفاية : إلاّ أن يقال بأنّ قضية اعتبار دليل الغير الالزامي أن يكون عن اقتضاء ، فيزاحم به حينئذ ما يقتضي ( الحكم ) الالزامي ، ويحكم فعلاً بغير الالزامي ، ولا يزاحم بمقتضاه ما يقتضي الغير الالزامي ، لكفاية عدم تمامية علّة الالزامي في الحكم بغيره الخ (١) فكأنّه ناظر به إلى نظير ما حقّقه الشيخ قدسسره في باب الشروط في الشرط الذي يكون محرّماً للحلال ، بأنّ بطلانه من جهة أنّه يستفاد من دليل حلّية التسري مثلاً أنّ الشارع أراد أن يكون متساوي الطرفين ، وأن لا يكون ما يوجب تركه ، فيكون شرط عدمه محرّماً للحلال ، فيبطل لكونه على خلاف الكتاب ، وحينئذ تنتهي المسألة فيما نحن فيه إلى عدم قدرة المكلّف على الجمع بين هذا النحو من الغير الالزامي والحكم الالزامي ، فيقع بينهما التزاحم.
لكن ينبغي حينئذ أن يقال بتقدّم الأقوى ملاكاً ، فإن لم يكن في البين ما هو الأقوى يسقط كلّ من الالزامي وغير الالزامي ، لأنّ كلاً منهما يكون مقتضياً لجهة لا يمكن اجتماعها مع الجهة الأُخرى ، فكما تسقط جهة الالزام فكذلك تسقط الجهة المقتضية لعدم الالزام ، لا أنّ الحكم يكون حينئذ هو عدم الالزام ، فتأمّل.
وقد شرح هذه العبارة أُستاذنا المرحوم السيّد أبو الحسن قدسسره بما محصّله : أنّ المراد من الاباحة الاقتضائية هو ما ينشأ عن مصلحة تقتضي تساوي الطرفين ، وبهذا صارت من الأحكام الخمسة ، وحينئذ يقع التزاحم بينها وبين الوجوب مثلاً ومع التساوي يسقطان ويكون الحكم عدم الالزام من باب عدم مقتضي الالزام ، لا من باب تحقّق مقتضي عدم الالزام ، فراجع ما حرّرناه عنه في هذا المقام (٢)
__________________
(١) كفاية الأُصول : ٤٤٠.
(٢) مخطوط لم يطبع بعدُ.