قال في الكفاية : وأمّا لو كان المقتضي للحجّية في كلّ واحد من المتعارضين لكان التعارض بينهما من تزاحم الواجبين فيما إذا كانا مؤدّيين إلى وجوب الضدّين أو لزوم المتناقضين ، لا فيما إذا كان مؤدّى أحدهما حكماً غير إلزامي ، فإنّه حينئذ لا يزاحم الآخر ، ضرورة عدم صلاحية ما لا اقتضاء فيه أن يزاحم به ما فيه الاقتضاء الخ (١).
ربما يقال : إنّ مراده من الحكم غير الالزامي هو الاباحة ، ومراده من كونها لا اقتضاء [ فيها ] هو ما قيل من كونها عبارة عن عدم الحكم ، كما ربما يتضمّن ذلك ما حرّرته عن درس أُستاذنا المرحوم السيّد أبي الحسن الاصفهاني قدسسره ، لكنّه بعيد جدّاً.
بل مراده من الحكم الغير الالزامي هو ما عدا الوجوب والتحريم ، وإنّما أخرجه عن التزاحم لأنّه إنّما يقع في مقام العمل والامتثال من جهة عدم قدرة المكلّف ، وإذا كان أحد الحكمين هو الوجوب مثلاً وكان الآخر هو الاستحباب ، فلا مزاحمة بينهما ، لإمكان العمل بكلّ منهما ولو بنحو اندكاك الاستحباب في الوجوب ، كما يظهر ذلك من مراجعة عبارته في الحاشية ، فإنّه قال : تتمّة : اعلم أنّ منشأ التنافي بين الخبرين بناءً على حجّية الأخبار من باب الطريقية المحضة إنّما هو أعمّ من عدم إمكان الجمع بينهما عملاً ، أو علماً بأن علم بكذب أحدهما ولو أمكن الجمع بينهما بحسب العمل ، وهذا بخلاف المنشأ على حجّيتها من باب السببية ، فإنّه خصوص عدم إمكان الجمع بينهما عملاً لا علماً الخ (٢) ، فراجع تمام كلامه قدسسره في هذه التتمّة تجده صريحاً في ذلك.
__________________
(١) كفاية الأُصول : ٤٤٠.
(٢) حاشية كتاب فرائد الأُصول : ٢٦٦ ـ ٢٦٧.