البراءة العقلية ، كما لو عجز الفقيه عن رفع التعارض بين أخبار الاحتياط والبراءة في الشبهات البدوية ، ورجعت النوبة إلى قاعدة قبح العقاب بلا بيان أو قاعدة لزوم دفع الضرر المحتمل. ومن هذا القبيل ما لو انتهى الأمر إلى العلم الاجمالي ، سواء كان في الشبهة الحكمية كما في الظهر والجمعة ، أو كان في الشبهة الموضوعية ، فهل يحكم العقل بلزوم الاحتياط كما عليه الجل ، أو لا يحكم بذلك كما عليه المحقّق القمي قدسسره (١) ـ فحاصل الإشكال فيه أنّ الحكم العقلي لا يجري فيه التقليد لاشتراك العامي والمجتهد فيه.
ويمكن الجواب عنه بما حاصله : أنّ ذلك العامي بعد فرض الوصول إلى تلك الدرجة لو كان ممّن يمكن أن يميّز بين قاعدة دفع المفسدة أولى من جلب المصلحة وقاعدة التخيير العقلي ، بحيث إنّه يحصل له العلم بفساد قاعدة دفع المفسدة أو العلم بصحّتها وتقديمها على قاعدة التخيير العقلي ، لم يصحّ له أن يقلّد في هذه الجهة ، وإن قلّد في تنقيح أنّ ما هو محلّ ابتلائه من صغريات هاتين القاعدتين ، ففي هذه الصورة ليس على المجتهد إلاّ أن يخبره بأنّ هذه المسألة التي هي محلّ ابتلائه هي من صغريات القاعدتين المزبورتين ، ويذره وما يحكم به عقله في تحكيم أيّ منهما.
وهكذا الحال فيما انتهت النوبة إلى قاعدة قبح العقاب من دون بيان ، أو قاعدة دفع الضرر المحتمل ، فإنّ على المجتهد أن يخبره بأنّ محلّ ابتلائه من ذلك القبيل ، ويذره وما يحكم به عقله من تحكيم إحدى القاعدتين.
لكن أنّى للمقلّد أن يعرف معنى دفع المفسدة أولى من جلب المصلحة ، أو معنى دفع الضرر المحتمل وكونه محكوماً لقاعدة قبح العقاب من دون بيان ،
__________________
(١) قوانين الأُصول ٢ : ٣٧.