لعدم العبرة بشكّه لا يكون داخلاً في عموم الشكّ وعدم العلم الذي هو موضوع البراءة الشرعية.
وهذا الإشكال إنّما نشأ من هذه الكلمة وهي أنّه لا عبرة بشكّ العامي الظاهرة في إلغاء شكّه ، وأنّه لا حكم لذلك الشكّ وعدم العلم مع أنّه متحقّق وجداناً ، وأقصى ما في البين أنّ كون عدم علمه وشكّه موضوعاً للبراءة الشرعية متوقّف على الفحص ، ولا ريب أنّ الفحص إنّما هو الفحص عن الحجّة في قبال البراءة المذكورة ، وتلك الحجّة التي يفحص عنها العامي ليست هي الحجّة الأوّلية على الحكم الواقعي ، أعني الرواية أو الاستصحاب الجاريين في الحكم المذكور ، لأنّ الحصول على ذلك النحو من الحجّة بل الفحص عنها لا يكون مقدوراً له ، فلا يكون فحصه حينئذ إلاّفحصاً عمّا يمكن أن يكون حجّة عليه ، وذلك منحصر بفتوى من كان هو مقلّداً له ، وبعد فرض أنّ ذلك المجتهد الذي يقلّده لا يمكنه الإخبار عن الحكم الواقعي لأنّه لم تقم لديه حجّة عليه ، يكون شكّ ذلك العامي وعدم علمه بالحكم الواقعي موضوعاً للبراءة الشرعية ، وعلى هذه الأُسس يفتيه بالجواز تسامحاً ، لأنّ ذلك ليس على نحو الحكاية عن أنّ الحكم الواقعي هو الجواز والاباحة ، بل روحه هو جواز الإقدام باعتبار كونه شاكّاً وأنّه جواز عذري منشؤه قوله صلىاللهعليهوآله : « رفع عن أُمّتي ما لا يعلمون » (١). وهكذا الحال في الفتوى بطهارة الحديد استناداً إلى قاعدة الطهارة في الشبهة الحكمية.
وأمّا الكلام في المقام الرابع ـ وهو موارد الأُصول العقلية مثل مسائل الدوران بين المحذورين الوجوب والحرمة ، فهل يحكم العقل بالتخيير أو يحكم بلزوم دفع المفسدة لكونه أولى من جلب المصلحة ، ومثل ما لو انتهت النوبة إلى
__________________
(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٣٦٩ / أبواب جهاد النفس ب ٥٦ ح ١.